الفصل الخامس من كتاب مؤامرة المسلمين على النبي محمد (ص)
-5-عمر, الخليفة الثاني
عمله قبل الرسالة
زعم بعض أهل التراجم أن الخليفة الثاني (عمر) كان قبل أسلامه سفيرا لقبيلة قريش فقالوا:(كان عمر بن الخطاب من أشراف قريش وإليه كانت السفارة فى الجاهلية وذلك أن قريشا كانت إذا وقعت بينهم حرب وبين غيرهم بعثوا سفيرا وإن نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر رضوا به بعثوه منافرا ومفاخرا) ( الاستيعاب لابن عبد البر ج 3 ترجمةعمر). هل حقا كان عمر في جاهليته سفيرا لقريش؟ وكم كان له من العمر حين ذاك؟
قيل أنه (أَسلم في ذي الحجة السنة السادسة من النبوّة وهو ابن ست وعشرين سنة.) (تاريخ المدينة لابن شبة , باب عمر)
ولد عمر بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة وروى أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده قال سمعت عمر يقول ولدت بعد الفجار الأعظم بأربع سنين)( الاستيعاب لابن عبد البر ج3 , ترجمة عمر) وفقا لهذه الروايات يكون عمره في بداية الرسالة عشرين عاماً , فكيف يكون سفيرا لقريش في سنه ذاك وفي قريش أشرافها ورجالها ؟ ولم يورد المؤرخون حادثة واحدة تثبت سفارة عمر لقريش , فقد صار عمرو بن العاص سفيرا لقريش عندما بعثت قريش وفداُ الى النجاشي في الحبشة بعد هجرة المسلمين اليها وكان عمر بن الخطاب حينها لم يزل مشركا, فلماذا لم تبعثه قريش مع من بعثت؟ و لو كانت سفارته لقريش حقيقة تاريخية لامتلأت كتب المؤرخين بذلك, ولكن لاشئ ! ما هو عمل عمر قبل الاسلام إذن؟
كان عمر يعمل حطابا لأبيه فيروي متحدثا عن شبابه :
(قد رأيتنى بهذا الجبل أحتطب مرة وأختبط أخرى... أي أضرب الشجر لينتثر الخبط منه ) ( النهاية في غريب الحديث لابن الاثير ج2 ص108) ويقول كذلك (لقد رأيتني وإني لأرعى على الخطاب في هذا المكان، وكان والله ما علمت فظاً غليظاً. وأنا في إبل للخطاب أحتطب عليها مرة وأختبط عليها أخرى ) ( تاريخ المدينة لابن شبة , باب عمر)
وفي رواية آخرى (لقد رأيتني وأختاً لي نرعى على أبوينا ناضحنا قد ألبستنا أمنا نقبتها ، وزودتنا من الهينة، فنخرج بناضحنا فإذا طلعت الشمس ألقيت النقبة إلى أختي، وخرجت أسعى عرياناً، فنرجع إلى أمنا وقد جعلت لنا لفيتة من ذلك الهبيد، فياخصباه ) ( عن موقع العلامة الكوراني ونقله عن كنز العمال ج4 ص 589). وقوله زودتنا من الهينة يعني بها عصيدة من حب الحنظل على شكل هينة والهينة هي الزنمة المدلاة تحت فم الماعز كالاصابع. هذان مثلان على عمل عمر في الجاهلية وهو كما يظهر كان حطابا يعمل لأبيه الحطاب الذي وصفه بالفظاظة والغلظة .
يؤكد هذه الحقيقة عمرو بن العاص عندما صار واليا على مصر في عهد عمر فقال لرسول عمر إليه وهو محمد بن مسلمة :
( يا محمد بن مسلمة قبح الله زماناً عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب فيه عامل, والله إني لأعرف الخطاب يحمل فوق رأسه حزمة من الحطب وعلى ابنه (عمر) مثلها وما منهما إلا في نمرة لا تبلغ رسغيه) ( العقد الفريد لابن عبد ربه ج1). وقد يقول قائل ان عمل عمر كحطاب كان في صغره ومراهقته فما هو عمله عندما شب؟
دون ابن الاثير:(كان عمر في الجاهلية مبرطشا وهو الساعي بين البائع والمشتري شبه الدلال ويروى بالسين المهملة بمعناه) (النهاية في غريب الحديث لابن الاثير ج1 ص 119)
,ونقل الدميري عن التوحيدي فقال (ذكر التوحيدي في كتاب بصائر القدماء وسرائر الحكماء صناعة كل من علمت صناعته من قريش فقال: كان أبو بكر بزازا، وكذلك عثمان وطلحة وعبد الرحمن بن عوف، وكان عمر دلالاً يسعى بين البائع والمشتري،) ( حياة الحيوان ص 267 للدميري , ومثله في مثالب العرب للكلبي)
أما في الاسلام فقد أعترف عمر بقلة حفظه لأحاديث النبي وقلة معرفته بالفقه بقوله (خفي علي هذا من أمر رسول الله, ألهاني عنه الصفق بالاسواق )( صحيح مسلم , باب الاستئذان رقم الحديث 2153) . ويعني هذا أنه استمر في عمله بالاسواق وصفق المعاملات حتى بعد أسلامه ,وانشغل بذلك عن التفقه في الدين. ويؤكد ذلك قول الصحابي أبي بن كعب الانصاري حافظ القران عندما سأله عمر يوما عن كيفية معرفته بالقرآن وعلومه, فقال أبي بن كعب لعمر: (كان يليهني القرآن وكان يلهيك الصفق في الاسواق !)( سير أعلام النبلاء للذهبي , ترجمة أبي بن كعب. كنز العمال ج2 ص 569) .
يُروى كذلك أن عمراً عمل خادماً قبل اسلامه , قال البغدادي :( كان عمر بن الخطاب خرج مع عمارة بن الوليد المخزومي أجيرا الى الشام اوالى اليمن.)(المنمق في أخبار قريش ص 130, للبغدادي المتوفى 248 هجرية . شرح ابن أبي الحديد ج2 ص781). وكان عمر في عمله ذلك يطبخ الطعام لعمارة ويخدمه كما يروي صاحب المنمق. فمن أين أتى منصب سفارة قريش لعمر؟ لم يكن عمر سوى حطابا لأبيه وعندما شب أشتغل مبرطشاً وساعيا بين البائع والمشتري, وليس هناك عارا في ذلك وليس ذكره أنقاصا لعمر ولكن ما تقدم يبين حيل كتبة البلاط في تضليل الناس, فليس هناك سفارة ولاسفير وسيتبين فيما يلي من نسبه أنه لم يكن من أشراف قريش كما ذكر صاحب الاستيعاب وغيره .
نسبه وصفاته
(عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب، وأمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم) (تاريخ اليعقوبي ج1 ص160) .(عمر بن نفيل بن عبد العزى بن رِيَاح بن عبد الله بن قُرْط بن رزاح بن عدي بن كعب. وأمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.) (تاريخ المدينة لابن شبة, باب عمر). لاحظ أن ابن شبة لايذكراسم الخطاب في النسب بل يقول ( عمر بن نفيل ... الخ) فيبدو أن كلمة (الخطاب) سقطت من الطبع , أو لاحتمال آخر سيتبين لنا فيما بعد.
اختلف المؤرخون في نسب أمه (حنتمة) فقال بعضهم أنها ابنة هاشم بن المغيرة وقال آخرون انها ابنة هشام بن المغيرة وهذا يجعلها أختا لأبي جهل عمرو بن هشام المخزومي.فقد روى ابن الاثير أن(هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم أبو عبد الرحمن القرشي المخزومي وهو أخو أبي جهل لأبويه وابن عم خالد بن الوليد وابن عم حنتمة أم عمر بن الخطاب على الصحيح وقيل أخوها) ( اسد الغابة لابن الاثير, ج2 ترجمة هشام).
إن نسب حنتمة أم عمر غير متفق عليه عند المؤرخين فهم يخلطون بين كون أبيها هاشم أوهشاما, لكنهم أتفقوا على أنها من بني مخزوم. كان لبني مخزوم شرف رفيع في قريش لغناهم وكثرتهم ولقبت قبيلة قريش الوليد بن المغيرة المخزومي بريحانة قريش, وكان الوليد يسمى كذلك بالعدل لأن قريش كانت تدفع حلي الكعبة مجتمعة في سنة وفي السنة التي تليها كان الوليد بن المغيرة يتولى كسوة الكعبة لوحده فسمي بذلك فهو عدل قريش مجتمعة. والوليد بن المغيرة المخزومي هو أخو هشام بن المغيرة وبذلك يكون عم ابو جهل عمرو بن هشام وهو أيضا أبو خالد بن الوليد.
التدقيق في ما كتبه المؤرخون والنسابة يظهر أن حنتمة لم تكن من بني مخزوم , بل هي أمة مستلحقة تعمل عندهم وكانت عادة العرب أن يستلحق السيد عبده أو أمته بعائلته فيحمل العبد اسم العائلة ولذلك صارت حنتمة من بني مخزوم بالانتساب والعبودية. ودلائل ذلك كثيرة منها :
أولا: عمر عمل خادما لعمارة بن الوليد المخزومي يطبخ له الطعام ويخدمه كما ذكر صاحب المنمق فيما تقدم ( المنمق للبغدادي ص 130. شرح ابن أبي الحديد ج2 ص781) ولايستخدم السادة أولادهم كخدم بل يستخدمون الغرباء وأولاد العبيد والاماء , فلو كانت حنتمة أم عمر من بنات هشام أو هاشم المخزومي كما يقولون فأنها تكون ابنة عم الوليد بن المغيرة المخزومي فكيف يعمل ابنها عمر أجيراً وعسيفاً عند عمارة بن الوليد المخزومي ؟
ثانيا:كان عمارة الوليد المخزومي من أجمل رجالات قريش وكذلك كان إغلب بنو مخزوم ,وأولى صفات الجمال عند العرب هي البياض, فلاتجد وصفا لجميل أو جميلة الا ويبتدئ بالثناء على بياض البشرة واحمرارها وحسنها ,لكن حنتمة أم عمر لم تكن كذلك وهذا يرجح أنها ليست من بناتهم بل من العبيد المستلحقين بهم , روى المسعودي
( وأم عمر حنتمة بنت هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم , وكانت سوداء) ( مروج الذهب ج2 ص313, باب خلافة عمر) , تأمل أن المؤرخ ينسبها لبني مخزوم وهذا لايغير من الحقيقة شيئا , لأن العبيد والاماء كانوا يحملون أسماء أسيادهم.
ثالثا: في عهد الخليفة الثالث عثمان خطب عمروبن العاص يوما على منبر مسجد المدينة فذكر عمر بن الخطاب ساخراً: ( ثم ولي الأعسرالأحول ابن حنتمة)( تاريخ اليعقوبي ج1 ص 176). تأمل أنه ذكر اسم أمه حنتمة أنقاصا له وذماً وتذكيرا للناس بدنو مكانة بيت عمر في قريش, واعتادت العرب على تسمية الرجل بأسم أمه اهانة , ولو كانت حنتمة ابنة هاشم بن المغيرة المخزومي أو ابنة هشام المخزومي كما يقول البعض, لما انتقص ابن العاص من عمر بن الخطاب وكناه بإسم أمه حنتمة, فآل مخزوم من أغنى بيوت قريش , وهذا دليل على أنها ليست من بني مخزوم.
رابعا: كان بين خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي وبين عمر حزازات كثيرة طوى عنها المؤرخون كشحا لأنهم وضعوا الاثنين في شجرة الصحابة المقدسة التي استحدثها بنو أمية, فلم يظهر كتبة التاريخ تلك العدواة لحجة أن الرجلين صحابة وأخوة , لكن الحقائق غير ذلك وتظهر بجلاء بمقارنة النصوص . تبدو العدواة بين عمر وبين خالد وكأنها بدأت يوم مقتل مالك بن نويرة على يد خالد عندما قال له عمر (والله لارجمنك بالأحجار) ( راجع فصل السقيفة, باب حروب الردة), بينما الحقيقة أن العداوة وصلت ذروتها في ذلك اليوم وفيما بعده . وقد يكون سبب العداوة هو ترفع خالد بن الوليد المخزومي على عمر لأن حنتمة أم عمر كان من رقيق آل مخزوم, فكان خالد ينسب عمرا لأمه حنتمة إنقاصا له ولم ينسبه لأبيه الخطاب . وهذا دليل على كون حنتمة لم تكن من بني مخزوم ,لأنها لو كانت كذلك لم يكن لخالد أن يعيره بها, وفيما يلي بعض شواهد التاريخ على ذلك :
تقدم في فصل السقيفة قصة مقتل مالك بن نويرة على يد خالد بن الوليد المخزومي وكان ذلك في عهد الخليفة أبوبكر, وأصر عمر في تلك الحادثة على عقاب خالد بن الوليد وأتهمه بالقتل والزنا لكن الخليفة الاول أجتمع بخالد وتحدث معه ثم عفا عنه واسدل ستارا على الجريمة . بعد ذلك يخرج خالد من عند الخليفة الاول وكان عمر حينها منتظرا خارج الدار آملا عقوبة خالد, فيصيح به خالد ساخراً ( هلم الي يا ابن شملة )( تاريخ الطبري ج4 ص 218 طبعة النت), فلو كانت حنتمة من بني مخزوم لما سخر منها خالد وكناها بشملة, فخالد من بني مخزوم ولايسخر العربي من نساء عشيرته , ويروى كذلك أن خالدا قال هلم الي يا ابن أم شملة!
عندما تولى عمرالخلافة تمكن من إذلال خالد بن الوليد فاستحوذ على ماله وعزله وجعله جنديا في جيش أبي عبيدة الجراح , يروي الطبري (كان عمر كلما مر بخالد قال: يا خالد، أخرج مال الله من تحت استك فقيل له : يا أمير المؤمنين، لو رددت على خالد ماله ! فقال: إنما أنا تاجر للمسلمين ، والله لا أرده عليه أبدا فكان عمر يرى أنه قد اشتفى من خالد حين صنع به ذلك..).( تاريخ الطبري ج2 ص 213, طبعة الوراق على النت) , وقوله : اخرج مال الله من تحت أستك يعني به أخرج مال الله من تحت مؤخرتك.
يقول المؤرخون ان سبب تجريد خالد من منصبه ومن أمواله إنما كان معاقبة لخالد على مافعل في أيام أبوبكر بقتله مالك بن نويرة وغيره. يبدوأن السبب ليس ذلك فقط ,فحادثة مقتل مالك بن نويرة كانت حجة من عمر لأذلال خالد بن الوليد , فالعداء الطبقي والاجتماعي كان قبل حادثة مالك بن نويرة, وتجد ذلك فيما يلي:
(وكان عمر سيء الرأي في خالد، على إنه ابن خاله، لقول كان قاله في عمر) (تاريخ اليعقوبي ص 160, طبعة الوراق على النت). ولم يهدأ لعمر بال حتى عزل خالد وصادر أمواله (فعلم بذلك خالداً، فقال: رحم الله أبا بكر! لو كان حيا ما عزلني. وكتب عمر إلى أبي عبيدة: إن كذب خالد نفسه فيما كان قاله عمله، وإلا فانزع عمامته وشاطره ماله. فشاور خالد أخته، فقالت: والله ما أراد ابن حنتمة إلا أن تكذب نفسك، ثم ينزعك من عملك، فلا تفعلن. فلم يكذب نفسه، فقام بلال فنزع عمامته وشاطره أبو عبيدة ماله، حتى نعله فأفرد واحدة عن الأخرى) (تاريخ اليعقوبي ص 160). تأمل أن أخت خالد بن الوليد تسمي عمرا بابن حنتمة كذلك ,ولايسمى الرجل غالبا بإسم أمه الا اذا كان هناك قدح في نسبه. روى الطبري :
(فلما استخلف عمر كان أول ما تكلم به عزله، فقال: لا يلي لي عملا أبدا ؛ فكتب عمر إلى أبي عبيدة: إن خالدا أكذب نفسه فهو أمير على ما هو عليه ؛ وإن هو لم يكذب نفسه فأنت الأمير على ما هو عليه ؛ ثم انزع عمامته عن رأسه ، وقاسمه ماله نصفين. فلما ذكر أبو عبيدة ذلك لخالد، قال أنظرني أستشر أختي في أمري، ففعل أبو عبيدة ؛ فدخل خالد على أخته فاطمة بنت الوليد - وكانت عند الحارث بن هشام - فذكر لها ذلك ، فقالت: والله لا يحبك عمر أبدا، وما يريد إلا أن تكذب نفسك ثم ينزعك. فقبل رأسها وقال: صدقت والله ! فتم على أمره، وأبى أن يكذب نفسه.) ( تاريخ الطبري ج2 ص 213). من مراجعة هذه النصوص يتبين أن خالدا بن الوليد كان قد قال شيئا وكان ألحاح عمر هو تنازل خالد عن أقواله, ولم يذكر أصحاب النصوص ماهو الكلام الخطير الذي تفوه به خالد حتى أغضب عمر بن الخطاب ! إذن ليس هناك حنقا على خالد بسبب أفعاله أنما كان السبب الرئيسي لذلك هو قوله كلام ما , ثم لماذا يستشير خالد أخته في ذلك ؟
السبب في استشارة أخته التي حثته على عدم التنازل على كلامه هو سبب عائلي طبقي كما يبدو , فخالد لم يترك التشهير بعمر وبنسب عمر وبأمه حنتمة التي سماها أم شملة سخرية , وهذا يرجح عدم إنتماء حنتمة لبني مخزوم فهي كانت أمة سوداء من رقيقهم , ومنها ورث عمرا سواده فيروى في صفاته:
(أما عمر فكان أصلع، أعسر، أيسر، طوالاً، شديد الأدمة، أي شديد السمرة يضرب الى السواد , شديد حمرة العينين .) (وكان أصلع ، أعسر ، أيسر ، طوالاً ، آدم شديد الأدمة . هكذا وصفه جماعة) (تهذيب التهذيب ج7 ص 385 للعسقلاني). وقوله شديد الادمة يعني أنه شديد السمرة .
(وكان عمرطوالاً، أصلع،أقبل، شديدالأدمة، أعسريسرا،يعمل بيديه جميعاً ، ويصفر لحيته ، وقيل يغيرها بالحناء والكتم)( تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 161)
وكان عمر يصرح أن سواده من أخواله (وقال عمر إن السمرة الشديدة جاءته من أخواله )( طبقات الصحابة ج2 ترجمة عمر , لابن سعد)
أما صاحب الاستيعاب فيقول فيه ( وكان آدم شديد الأدمة طوالا كث اللحية أصلع أعسر يسر يخضب بالحناء والكتم وقال أنس كان أبو بكر يخضب بالحناء والكتم وكان عمر يخضب بالحناء بحتا قال أبو عمر الأكثر أنهما كانا يخضبان وقد روى عن مجاهد إن صح أن عمر بن الخطاب كان لا يغير شيبته هكذا ذكره زر بن حبيش وغيره بأنه كان آدم شديد الأدمة وهو الأكثر عند أهل العلم بأيام الناس وسيرهم وأخبارهم ووصفه أبو رجاء العطاردى وكان مغفلا فقال كان عمر بن الخطاب طويلا جسيما أصلع شديد الصلع أبيض شديد حمرة العينين فى عارضه خفة سبلته كثيرة الشعر فى أطرافها صهبة قد ذكر الواقدى من حديث عاصم بن عبيد الله عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال إنما جاءتنا الأدمة من قبل أخوالى بنى مظعون)( الاستيعاب ج2, ترجمة عمر .لابن عبد البر)
صاحب الاستيعاب أعلاه يقحم رأياً يقول ان عمرا كان أبيض البشرة, ثم لاينكر أن قائل ذلك هو أبو رجاء العطاردي وهو من المغفلين كما يصفه, فعلام اقحم هذا الوصف وكتبه عن مغفل ؟ ربما للأمانة التاريخية في النقل, وربما أقحم ذلك حتى يروي الناس من بعده أن عمرا أبيض اللون , وهو ما تحقق في بعض المصادر المعاصرة , فقد ترك المبيضون لصفحات التاريخ جميع المراجع التي تقول بسواد عمر وأعترافه بذلك وقالوا انه أبيض اللون وفقا لترجمة ابن عبد البر أعلاه الذي اعترف أنه نقلها عن مغفل , فتأمل
إن التحوير في كتب التاريخ يبدو جليا كذلك في صفة آخرى لعمر , فقد تقدم وصف عمرو بن العاص لعمر عندما خطب يوما في عهد عثمان قائلا : ( ثم ولي الأعسر الأحول ابن حنتمة)( تاريخ اليعقوبي ج1 ص 176) فقد كان عمر أحولا في عينيه وأدرجه صاحب المنمق في باب الحولان فعد حولان قريش كما يلي : (عمر بن الخطاب وأبو لهب بن عبد المطلب وأبو جهل بن هشام وزياد بن أبيه وهشام بن عبد الملك بن مروان وأبان بن عثمان بن عفان وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ...الخ.)( المنمق للبغدادي ,باب حولان قريش, وكذلك في كتابه المحبر ص 303 ).
من اليسير على المصحفين والمحرفين تحوير كلمة ( أحول) الى (أحور) , ومعنى أحور أنه شديد بياض العين شديد سوادها وهي من صفات الجمال ومثلها وصف نساء الجنة بالحور العين , فقلبوا المعنى من أحول الى احور كما ذكر العسقلاني الذي جاء بعد خمسمائة سنة من وفاة البغدادي صاحب المنمق, فقد ذكر العسقلاني في صفة عمر:
(كان رجلاً طوالاً أصلع أعسر أيسر أحور العينين ، آدم اللون ، وقيل كان أبيض شديد البياض تعلوه حمرة ، أشنب الأسنان، وكان يصفر لحيته، ويرجل رأسه بالحناء .)( تهذيب التهذيب ج 7 ص 385 , للعسقلاني المتوفى 852 هجرية) تأمل التحوير من أحول ألى أحور العينين وتأمل كيف يذكر أنه ( آدم اللون) ثم يقول قيل كان أبيض, فياللعجب. والعجيب أن العسقلاني ذكر في موضع آخر فقال في عمر (شديد الأدمة، أي شديد السمرة يضرب الى السواد) (تهذيب التهذيب ج7 ص 385 للعسقلاني), ثم يقحم فيقول( قيل كان أبيض شديد البياض تعلوه حمرة)! ولم يذكر من قال أنه ابيض شديد البياض فبنى الفعل على المجهول وذلك اذكى في التلفيق من صاحب كتاب الاستيعاب الذي قال أن الرواية عن طريق مغفل. هذه الاقحامات والتحويرات في الصفات تأتي من تقديس الامة لذوي المناصب, فلا يستطيع العربي الذي يعشق البياض ويحب صباحة الوجه تصورأن الخليفة الثاني عمر كان شديد السواد احول العينين, فبيض كتبة التاريخ ذلك وخففوا من قباحة الصفات. ليس العيب في الرجل أن يكون أسود اللون أو أحمره أو احول العين ,ولا يذكر ذلك ذلك انقاصا , لكن العيب هو في الكذب والتدليس وطمس الحقائق عن جماهير الناس. إن سواد عمر لم يأته من أمه حنتمة فقط بل من جدته الحبشية أيضا, تلك التي كان يُعير بها عمر أحياناً ليس لسواد لونها ولكن بالاضافة لذلك لسمعتها الوضيعة في قريش! وتقدم في فصل السقيفة قول قيس بن سعد لعمر :
( فوثب قيس بن سعد وأخذ بلحية عمر وقال له : يابن صهاك الجبان في الحرب والليث في الملأ والأمن ! لو حرّكت منه ( يقصد أباه سعداً ) شعرة ما رجعتَ وفي فيك واضحة.)( تاريخ الطبري ج2 أحداث السقيفة) . فمن هي صهاك هذه؟
صهاك أمة حبشية كانت لهاشم بن عبد مناف , اشتهرت صهاك بعلاقاتها السفاحية المتعددة , فيها روى النسابة الكلبي : (كانت صهاك أمَة حبشية لهاشم بن عبد مناف، فوقع عليها فجاءت بنضلة بن هاشم.ثم وقع عليها عبد العزى بن رباح، فجاءت بنفيل جد عمر بن الخطاب، ثم وقع عليها ربيعة بن الحرث بن حبيب بن حذيمة فجاءت بعمرو بن ربيعة) ( مثالب العرب ص 39 لهشام الكلبي ). وذكر البغدادي: (أبناء الحبشيات من قريش نضلة بن هاشم بن عبد مناف بن قصي أمه صهاك، ونفيل بن عبد العزى العدوي أمه صهاك أيضا، وعمرو بن ربيعة بن حبيب من بني عامر بن لؤي أمه أيضا صهاك ) ( المنمق في أخبار قريش للبغدادي , ج1 باب أبناء الحبشيات). فتكون صهاك بذلك أم نفيل جد الخطاب. ويروي المؤرخ ابن اسحاق : (وذلك أنه كان ابن نضلة بن هاشم بن عبد مناف لأمه، وكان عمرو بن ربيعة ونضلة أخوين لأم) ( السيرة لابن اسحاق, ج1 ص 75), تأمل أن ابن أسحاق يؤكد أن نضلة وربيعة أخوين لأم واحدة من أبوين وهو ماقاله الكلبي والبغدادي, لكن أبن اسحاق لايذكر اسم الام وربما ذلك تستراً عن ذكر اسم صهاك جدة الخليفة عمر بن الخطاب .
وقال الكلبي ( عن ابن عباس قال ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري لعمر بن الخطّاب يا بن السوداء, فأنزل الله تعالى ( يا أيها الذين امنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ..( الحجرات 11) ( مثالب العرب للكلبي).
وقال الكلبي في أم الخطاب ( وأم الخطاب بن نفيل حبشية يقال لها حنتمة أمَة لجابر بن حبيب الفهمي، وهم ينسبونها أنها ابنته) ( مثالب العرب ص 40) . الكلبي لايقول بأن حنتمة من بني مخزوم بل ينسبها الى جابر الفهمي ويقول أنها أمة مستلحقة, وهذا ترجيح آخر على أن حنتمة لم تكن أبدا من بيت آل مخزوم القرشي. ثم تأمل قوله ( وهم ينسبون أنها ابنته) ويعني بذلك أن حنتمة كانت ابنة للخطاب ثم لما كبرت تزوجها الخطاب فولدت له عمرا فيكون بذلك الخطاب أبا لعمر وكذلك أخا له لأنهما من أم واحدة هي حنتمة.
وربما لذلك أسقط المؤرخ ابن شبة في كتابه كلمة الخطاب من نسب عمر فقال (عمر بن نفيل بن عبد العزى بن رِيَاح بن عبد الله بن قُرْط بن رزاح بن عدي بن كعب) (تاريخ المدينة لابن شبة, باب عمر ), وقد تقدم ذكر النص فيما سبق . فعمر يكون وفقا لذلك ابنا للخطاب وأخا في نفس واحد لأن كلاهما من أم واحدة وهي حنتمة. قد يصاب القارئ بالدوار نتيجة هذه التداخلات في الانساب ولكن غاية القول هو عدم وضوح نسب الخليفة عمر في كتب الجمهور, وكمثال آخر على تداخل الانساب والعلاقات غير الشرعية في عائلة عمر بن الخطاب يروي ابن كثير الدمشقي في تاريخه :
(زيد بن عمرو بن نفيل هو زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرظ بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي القرشي العدوي. وكان الخطاب والد عمر بن الخطاب عمه وأخاه لامه وذلك لان عمرو بن نفيل كان قد خلف على امرأة أبيه بعد أبيه، وكان لها من نفيل أخوه الخطاب, قاله الزبير بن بكار ومحمد بن إسحاق.) ( البداية والنهاية ج4 ص 56 لابن كثير), وهذا يعني أن عمرو بن نفيل تزوج زوجة أبيه من بعده , فليس بعيدا أن تكون حنتمة أبنة الخطاب فلما شبت وكبرت تزوجها الخطاب فجاءت بعمر وهو استنتاج يقول به بعض المؤرخين كالكلبي وغيره
وقعت مشادة بين عمرو بن العاص وبين عمر بن الخطاب يوما ,وفيها عَيَّر ابن العاص عمرا بكلام فاحش لنقرأ الرواية:
(قال عمر: كم سرت؟ فقال عمرو بن العاص: عشرين. فقال عمر: لقد سرت سير عاشق؟! فقال عمرو: إني والله ما تأبطتني الإماء، ولا حملتني البغايا في غبرات المآلي. فقال عمر: والله ما هذا بجواب الكلام الذي سألتك عنه، وان الدجاجة لتفحص في الرماد، فتضع لغير الفحل، وإنما تنسب البيضة إلى طرقها فقام عمرو مربد الوجه) .(شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج3 ص 103) قال شارح نهج البلاغة معلقا على هذه الرواية : سألت النقيب أبا جعفر عن هذا الحديث في عمر، فقال: إن عمرو بن العاص فخر على عمر لأن أم الخطاب زنجية، وتعرف بباطحلي تسمى: صهاك, فقلت له: وأم عمرو النابغة أمة من سبايا العرب. فقال: أمة عربية من عنزة سبيت في بعض الغارات، فليس يلحقها من النقص عندهم، ما يلحق الإماء الزنجيات) ( الرواية عن كتاب نظريات الخليفتين ج1 للعلامة الطائي, و عن شرح ابن أبي الحديد ج3 ص 103, تهذيب اللغة ج8 ص 122، تاج العروس للزبيدي ج3 ص 188 ,النهاية في غريب الحديث لابن الأثير ج3 ص 338), (وذكر الرواية ابن منظور صاحب لسان العرب في شرحه لكلمة طرق)
إذن صهاك وفق هذه الرواية هي أم الخطاب, لكن ما تقدم من قول الكلبي والبغدادي يجعل صهاك أم نفيل أبو الخطاب , فكيف تكون أم الخطاب ؟ هناك من يقول أن صهاك هي أم نفيل جد عمر وهي كذلك أم الخطاب أبوعمر ولايتم ذلك ألا أذا واقعها ابنها نفيل فولدت له الخطاب فيكون بذلك الخطاب ونفيل من صهاك !
قال ابن الاثير :(ومنه حديث عمرو بن العاص أنه قال لعمر إني والله ما تأبطتني الإماء أي لم يحضنني ويتولين تربيتي)( النهاية في غريب الحديث ج1 ص 15 لابن الاثير) فعمرو بن العاص يعيب على عمر أنه ولد من الاماء وحملته البغايا وتأمل كيف أن عمر لاينكر ذلك, ويضرب ببيضة الدجاجة مثلا على ذلك, فهو يقر بأن المهم هو الانتساب للأب ولايهم من تكون الام! وسيأتي في فصل (أعداء النبي) أن عمرو بن العاص ولد من بغي صاحبة راية ومع ذلك كان يفخر على عمر , فتأمل.
من مقارنة الروايات اعلاه يتبين أن الخليفة الثاني كان ممن يُقدح في نسبه لعلاقات متعددة غير شرعية في عشيرته, وكانت تلك الحقيقة معروفة آنذاك فعيره الناس بأمه حنتمة وجدته صهاك ومنهم خالد بن الوليد الذي تقدم في كلامه الذي لم يذكر فحواه المؤرخون. بعد رحيل عمر ظل البعض يسميه بأبن حنتمة فهذا معاوية بن أبي سفيان يذكر عمر يوما فيقول: (رحم الله أبا بكر!لم يرد الدنيا ولم ترده الدنيا ، وأما عمر - أو قال: ابن حنتمة - فأرادته الدنيا ولم يردها) (تاريخ الطبري ج3 ص 226, احداث سنة 60).
عمر يطلب الصفح ويقبل قدم النبي توسلاً حتى لايفضح نسبه !
تقول الاية الكريمة في النبي (ص) ( وأنك لعلى خلق عظيم)( 4 القلم) , وحقا كان كذلك النبي الهاشمي عظيما في أخلاقه تعجز الاقلام عن وصف تلك الروح السامية , طيبا متواضعا سمحا مع الناس ليس بالغليظ العبوس حتى وصفه القرآن ( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) (159 آل عمران) , شهدت له سيرته أنه لم يغضب الا للحق وكم اوردت كتب السيرة من روايات في غلاظة الناس حوله ولكنه كان يبش في وجوههم مبتسماً صابرا. ذكرت كتب الاحاديث والسيرة أنه على الرغم من سماحته وصبره وتحمله لأعباء الرسالة فأنه غضب في مواقف ليست بالكثيرة وأحدها هي فيما يلي , لنقرأ النصوص الثلاثة الاتية بصبر وتأني:
- عن قتادة في قوله : ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) ، قال : فحدَّثنا أن أنس بن مالك حدَّثهم : أنّ رسول الله سألوه حتى أحفَوْه بالمسألة ، فخرج عليهم ذات يوم فصعد المنبر فقال : لا تسألوني اليومَ عن شيء إلا بينته لكم! فأشفقَ أصحاب رسول الله أن يكون بين يديه أمر قد حضر ، فجعلتُ لا ألتفت يمينًا ولا شمالا إلا وجدت كُلا لافًّا رأسه في ثوبه يبكي. فأنشأ رجلٌ كان يُلاحَى فيدعى إلى غير أبيه ، فقال : يا نبي الله ، من أبي ؟ قال : أبوك حذافة ! قال : ثم قام عمر أو قال : فأنشأ عمر فقال : رضينا بالله ربًّا ، وبالإسلام دينًا ، وبمحمد رسولا عائذًا بالله أو قال : أعوذ بالله من سوء الفتن! قال : وقال رسول الله (ص) : لم أر في الخير والشر كاليوم قط ، صُوِّرت لي الجنة والنارُ حتى رأيتهما دون الحائط. (جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ج11 ص 103, رقم الحديث 12797).
- عن السدي : ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) ، قال : غضب رسول الله (ص) يومًا من الأيام ، فقام خطيبًا فقال : سلوني ، فإنكم لا تسألوني عن شيء إلا نبأتكم به! فقام إليه رجل من قريش ، من بني سهم ، يقال له (عبد الله بن حذافة ) ، وكان يُطْعن فيه ، قال : فقال : يا رسول الله ، من أبي ؟ قال : أبوك فلان! فدعاه لأبيه. فقام إليه عمر فقبَّل رجله (عمر قبل رجل النبي ) وقال : يا رسولَ الله ، رضينا بالله ربًّا ، وبك نبيًّا ، وبالإسلام دينًا ، وبالقرآن إمامًا ، فاعف عنا عفا الله عنك! فلم يزل به حتى رَضِيَ ، فيومئذ قال : الولد للفراش وللعاهر الحجر.)( جامع البيان للطبري , رقم الحديث 12801)
- عن قتادة قال : (سألوا النبي (ص) حتى أكثروا عليه ، فقام مغضبًا خطيبًا فقال : سلوني ، فوالله لا تسألوني عن شيء ما دمت في مقامي إلا حدثتكم! فقام رجل فقال : من أبي ؟ قال : أبوك حذافة. واشتدّ غضبه وقال : سلوني! فلما رأى الناس ذلك كثر بكاؤهم ، فجثا عمر على ركبتيه فقال : رضينا بالله ربًّا قال معمر ، قال الزهري ، قال أنس مثل ذلك : فجثا عمر على ركبتيه فقال : رضينا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى رسولا فقال رسول الله : أما والذي نفسي بيده ، لقد صُوِّرت لي الجنةُ والنارُ آنفًا في عرض هذا الحائط ، فلم أر كاليوم في الخير والشر قال الزهري ، فقالت أم عبد الله بن حذافة : ما رأيت ولدًا أعقّ منك قط! أتأمن أن تكون أمك قارفت ما قارفَ أهلُ الجاهلية فتفضحها على رؤوس الناس!! فقال : والله لو ألحقني بعبدٍ أسود للحقتُه. (وأخرجه البخاري في صحيحه (الفتح 13 : 230) من طريق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، وأخرجه مسلم في صحيحه (15 : 112) من يونس ، عن الزهري ، ثم أشار في (15 : 114) إلى طريق عبد الرازق ، عن معمر) (جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ج11 ص 103, رقم الحديث 12800)
التأمل في النصوص الثلاثة أعلاه يظهر جمع من الحقائق , وتبدو النصوص وكأنها مبتورة ويمكن تحليل الروايات بمقارنتها وتفحصها ! لماذا يغضب النبي من سؤال الناس له ؟ وهو يقول في نفس الحديث : لاتسألوني عن شئ الابينته لكم ! ويعني قوله هذا أن غضبه لم يكن بسبب أسئلة الناس له , فالقرآن يقول في أكثر من موضع مايلي:
(يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) ( البقرة 189 ), ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ) (البقرة 219), ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير ) (البقرة 217 ) ,( يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم ) (البقرة 215 )
(ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون ) (البقرة 219). إذن الاسئلة متاحة لكل الناس يسألون النبي عن كل شئ, ولهذا يقول النبي في الحديث الاول ( لاتسألوني عن شئ الا بينته لكم). موضوع اسئلة الناس في تلك الحادثة كان متعلقاً بالانساب ! ولهذا قام الرجل عبدالله بن حذافة يسأله عن أبيه الحقيقي لأنه كان يشك في انتماءه لابيه وفي النص الاخير تعاتبه أمه على سؤاله عن أبيه الحقيقي, وفي الحديث الثالث يقول الرواي واصفا النبي ( واشتد غضبه وقال سلوني), أي ان النبي كان يطلب من الناس أن يسألوه ولكن ماهو سبب غضب النبي حتى قال النبي (ص) : لم أرى كاليوم في الخير والشر قط صُوِّرت لي الجنة والنارُ حتى رأيتهما دون الحائط!
تأمل أنه في الحديث الاول يقول النبي : (لا تسألوني اليومَ عن شيء إلا بينته لكم!) فهو يطلب من القوم أن يسألوه فماذا كان تصرف القوم امام ذلك ؟ تكملة الحديث تروي ( فأشفقَ أصحاب رسول الله أن يكون بين يديه أمر قد حضر ، فجعلتُ لا ألتفت يمينًا ولا شمالا إلا وجدت كُلا لافًّا رأسه في ثوبه يبكي)! أمر عجيب ,لماذا يبكي القوم عندما يقول لهم النبي إسألوني؟ جواب ذلك أنه عليه الصلاة والسلام كان غاضباً يطلبهم أن يسألوه عن نسبه الكريم لان فيهم من طعن نسب النبي الشريف وسيتبين لنا ذلك بعد إكمال قراءة السطور. هناك موقف مجلب للانتباه وهو , لماذا قام عمر لوحده من بين الناس طالبا الصفح والمغفرة ؟ أنه يجثو على ركبتيه ثم يهوي على قدم النبي يقبلها متوسلا قائلا اعف عنا عفا الله عنك ولم يزل يتوسل به حتى رضي النبي؟ فعل عمر يوحي بأنه مذنب في فعل أغضب النبي غضبا شديدا. فقام لوحده من بين جمع الناس فجثا وقبل قدم النبي وهي حالة فريدة , فلم يحصل قبلا أن قبل رجل من الصحابة قدم النبي الكريم , فقد كان النبي متواضعا صاحب خلق عظيم وعلم أصحابه أن لايقوموا له أحتراما عندما يأتي اليهم فهو القائل : لاتقوموا لي كما تقوم الاعاجم لملوكها, وفي موضع آخر يقول لرجل هابه: لاعليك أنما أنا ابن أمرأة كانت تأكل القديد في بطن مكة. وغيرها من تعاليم سامية كان يعلمها الناس, فكيف يقوم عمر فيجثو على ركبتيه ثم يهوي على قدم النبي فيقبلها؟ لابد أن عمر فعل فعلة شنيعة وتلك الفعلة هي التي أثارت غضب النبي وبسبب تلك الفعلة التي فعلها المذنب , لف الصحابة رؤوسهم وطفقوا يبكون آسفا .
إن عمر أراد ان يهدأ النبي من غضبه حتى لايكمل كلامه , لأن عمرا المعني بالموضوع كان خائفا أن يكمل النبي الكريم ويفضح نسب عمر على رؤوس الاشهاد , ففعل عمر كان خشية من افتضاح نسبه أمام من لايعرف نسبه, وهذا دليل على دنو نسب عمر فليس هو من أشراف قريش كما قال صاحب كتاب الاستيعاب الذي تقدم في السطر الاول وكما قال غيره.
هذه الروايات الثلاثة اعلاه من كتب الجمهور ومن الصعوبة استخلاص سبب غضب النبي منها في ذلك اليوم, وكذلك من الصعوبة استخلاص منها حقيقة خوف عمر من افتضاح نسبه أمام أنصار المدينة ! لكن هناك رواية أخرى تكمل هذه الروايات تحكي أن رجلا من قريش قال أن بيت النبي هو كالشجرة في كبا, والكبا هي المزبلة. فكأن القائل أراد ذم بيت النبي بأسلوب شيطاني فعنى أن الشجرة تنبت في المزابل فهو مدح بصيغة ذم ولاتروي الرواية من القائل ذلك ,ولكن جثو عمر على ركبتيه وتقبيله قدم النبي دليل على أنه هو قائل ذلك كما سيتبين فيما يلي :
- قال النبي (ص) مخاطبا الناس :( انسبوني. قالوا : أنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب . قال : أجل أنا محمد بن عبد الله وأنا رسول الله فما بال أقوام يبتذلون أصلي ؟ فوالله لأنا أفضلهم أصلا وخيرهم موضعا .قال : فلما سمعت الأنصار بذلك قالت : قوموا فخذوا السلاح فإن رسول الله قد أغضب . قال : فأخذوا السلاح ثم أتوا النبي لا ترى منهم إلا الحدق حتى أحاطوا بالناس فجعلوهم في مثل الحرة حتى تضايقت بهم أبواب المساجد والسكك ثم قاموا بين يدي رسول الله فقالوا : يا رسول الله لا تأمرنا بأحد إلا أبرنا عترته . فلما رأى النفر من قريش ذلك قاموا إلى رسول الله فاعتذروا وتنصلوا فقال رسول الله : (الناس دثار والأنصار شعار ) . فأثنى عليهم (على الانصار) وقال خيرا )
( الحديث عن كتاب مجمع الزوائد ج8 ص398 رقم الحديث 13827 ,لابن حجر الهيثمي). تأمل أن الحديث لايذكر من ذكر النبي (ص) بسوء بل يقول ان نفرا من قريش قالوا ذلك تغطية على القائل عمر, ولكن تكملة الحديث تظهر الجاني فالرواية تقول (قاموا الى رسول الله فاعتذروا وتنصلوا) ,والاحاديث الثلاثة الاولى التي تقدمت حكت القصة بابهام , بينما الرواية الاخيرة صرحت أن الذي قام واعتذر وتنصل وقبل قدم النبي لم يكن سوى رجل واحد أسمه عمر بن الخطاب , فتأمل. إذن هو القائل حسدا للنبي ولشرف مكانته أن بيت النبي كشجرة نبتت في مزبلة, وهو قول لايقوله الا حاسد لاهل الشرف والرفعة, لازالت الرواية غير واضحة عند بعض القراء , ولكنها ستتضح بعد قليل ,فرويداً.
هذا الغموض وعدم الوضوح في الرواية سببه المدونون والمؤرخون الذين رووا الروايات بأسلوب يغطي على فعل عمر بن الخطاب وعلى قوله في النبي وفي آل بيته ولكن مقارنة النصوص ومراجعتها يظهر القائل, فهو الذي اعتذر وتنصل وتوسل بالنبي أن يسكت ولايكمل , فعمر في ذلك اليوم ذاته وفي نفس الحادثة وقبل غضب النبي (ص) بسويعات يقول لصفية عمة النبي (ص) أن قرابتها للنبي لن تغني لها شيئا وكان قوله هذا هو الذي أغضب النبي , لنقرأ الحديث الخامس الذي سيكشف الغموض في الاحاديث الماضية وهو كما يلي باختصار: (عن ابن عباس قال : توفي ابن لصفية عمة رسول الله (ص) فبكت عليه وصاحت فأتاها النبي فقال لها : يا عمة ما يبكيك ؟ قالت : توفي ابني . قال : يا عمة من توفي له ولد في الإسلام فصبر بنى الله له بيتا في الجنة , فسكتت , ثم خرجت من عند رسول الله فاستقبلها عمر بن الخطاب فقال : يا صفية قد سمعت صراخك إن قرابتك من رسول الله لن تغني عنك من الله شيئا . فبكت فسمعها النبي وكان يكرمها ويحبها فقال : يا عمة أتبكين وقد قلت لك ما قلت ؟ قالت : ليس ذاك أبكاني يا رسول الله استقبلني عمر بن الخطاب فقال : إن قرابتك من رسول الله لن تغني عنك من الله شيئا . قال : فغضب النبي ص وقال : يا بلال هجر بالصلاة ,فهجر بلال بالصلاة فصعد المنبر النبي فحمد الله وأثنى عليه وقال : ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع ؟ كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي فإنها موصولة في الدنيا والآخرة... الى نهاية الحديث)( مجمع الزوائد للهيثمي ج8 ص 398). تأمل ان النبي الكريم لسماحته لايعين القائل حيث يقول : (مابال أقوام يزعمون أن قرابتي لاتنفع), بينما القائل هو عمر لوحده وليس غيره . إن تكملة الحديث أعلاه برواية عمر بن الخطاب نفسه وردت وكما يلي (.....ثم خرجت من عند رسول الله فمررت على نفر من قريش فإذا هم يتفاخرون ويذكرون أمر الجاهلية فقلت : منا رسول الله ؟ فقالوا : إن الشجرة لتنبت في الكبا . قال : فمررت إلى النبي فأخبرته فقال : ( يا بلال هجر بالصلاة ). فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ( يا أيها الناس من أنا ؟ ) . قالوا : أنت رسول الله . قال : انسبوني ...الى نهاية الحديث) ( مجمع الزوائد ج8 ص 398) . ولم نذكر الحديث بطوله للأختصار. إن قراءة الاحاديث الخمسة اعلاه ومراجعتها ومقارنتها يبين أنها تؤرخ لحادثة واحدة حدثت في يوم واحد ولكنها قيلت بالفاظ متعددة , وأن المتطاول على نسب النبي هو عمر فهو يقول لعمة النبي صفية : أن قرابتك من النبي لن تغني عنك شيئا , وهو ناقل قول القوم بأن عائلة النبي كشجرة نبتت في مزبلة , فهو مروج تلك الفوضى ذلك اليوم ولهذا قام مقبلا قدم النبي معتذراً على سوء فعله, متوسلا له أن يسكت ولايسأل الحاضرين عن آبائهم , ولهذا غضب النبي وصاح بالمسلمين (أسألوني) وفي الرواية الثانية يقول لهم (إنسبوني) وعندها بكى الناس ,أن النبي غضب ذلك اليوم على من يتطاول على نسبه الشريف فكيف بالمتطاول إذا كان ممن يقدح في نسبه كعمر, لذلك في حالة فريدة لم يفعلها أحد من قبل وقع عمر على قدم النبي يقبلها ليسترعلى انكشاف نسبه أمام أنصار المدينة, فصمت النبي سماحة وتفضلا ولم يفضح المتقولين عليه الذين قالوا أن شجرة عائلة النبي نبتت في كبا (مزبلة)!.
ختاما , لم يكن عمر سفيرا لقريش كما يدعي البعض, ولم تحمل عشيرته نسبا رفيعا في قريش , يقول صاحب المنمق في عشيرة عمر وهي عشيرة عدي بن كعب: (ولم يكن من قريش قبيلة إلا وفيها سيد يقوم بأمرها ويطلب بثأرها، إلا عدي بن كعب) ( المنمق ص 129 لابن حبيب البغدادي)
ولم يكن لعمر وزنا في قريش, بل كان من المغمورين, ففي فتح مكة يشاهد أبوسفيان عمراً فلم يعرفه وإن كان يسمعه ,فيقول للعباس عم النبي (ص) : يا أبا الفضل من هذا المتكلم ؟ قال عمر بن الخطاب فقال أبوسفيان: ( أمرَ أمرُ بني عدي بعد والله قلة وذلة !)( كنز العمال ج10 ص 511 للمتقي الهندي), تأمل سخرية أبي سفيان من عمر ومن عشيرته بني عدي فيصفهم بالذلة والقلة, ولو كان عمر من أشراف قريش كما زعموا أو كان سفيرا لقريش كما ادعوا لما قال أبوسفيان ذلك.
إن تسدي عمر لكرسي الخلافة جعل اغلب كتبة التاريخ يعظمون شخصيته, وتجد مثل ذلك كثير في كل زمن يحكم فيه حاكم مستبد قوي , يضيف المداحون له في كل يوم خصلة صالحة لصفاته لتتراكم تلك الصفات فتجعل منه اسطورة ,لكن بُحاث الحقيقة لاتضلهم تلك التضليلات.
إسلامه
تضاربت الروايات في تاريخ إسلام عمر وأوقعت تلك الروايات المحققين في مشكل حول معرفة تاريخ يوم اسلامه في مكة , ومن ذلك مانقله المؤرخ ابن هشام مهذب كتاب السيرة لابن أسحاق حيث يذكر رأي ابن اسحاق في تاريخ اسلام عمر بقوله :( والله اعلم أي ذلك كان!), أي أنه (ابن اسحاق) لايعلم أي الروايات أصح لأختلافها في تاريخ إسلام عمر, وسيأتي تفصيل ذلك. كان ذلك التضارب في الروايات ملاذاً للمدافعين عن عمر والمبيضين لسيرته, فأشهروا الروايات التي تظهره بأنه من أوائل المسلمين, وأضاف كثير منهم بطولات لم تكن أصلا موجودة في الروايات الاصلية. إن الباحث عن الحقيقة لاتهمه تحريفات المحرفين فالغاية هي هي معرفة تاريخ اسلام الرجل وبمعرفة ذلك ستنهار أختلاقات كثيرة . قبل الدخول في بحث تاريخ اسلام عمر, لنقرأ شيئاً حول مواقفه من المسلمين الاوائل وتعذيبه لهم ,ثم نقرأ روايات اسلامه وتاريخها ,وسيتبين من مقارنة ذلك مكمن الادعاء والزيف في بعض الروايات.
عمر يعذب المسلمين جسدياً , ويحاول أغتيال النبي بتكليف من قريش :
(عن سعيد بن زيد قال: لقد رأيتني و إنّ عمر لموثقي على الإسلام وأخته ( أخت عمر)!)( كتاب صحيح البخاري ج8 ص56, وعن سير أعلام النبلاء للذهبي ج1 ص136). سعيد بن زيد العدوي هو زوج أخت عمر بن الخطاب , ولما علم عمر بن الخطاب بأسلامهما كان يأتي يوثقهما بحبل ويضربهما آملاً تركهما للدين الجديد وعودتهما الى دين قريش , لنتذكر هذه الرواية جيدا لأننا سنعود اليها بتفصيل أكثر .
(عن عون بن أبي شداد قال: كان لعمر بن الخطاب أمة أسلمت قبله , كان اسمها زنيرة فكان عمر يضربها على إسلامها , حتى إذا ملّ (أي من كثرة ضربها) , قال: إني لم أترككِ إلا ملالة.) (السيرة النبوية لابن كثير ج1 ص 354,الدر المنثور للسيوطي ج6 ص 40 ).
(لُبينة جارية بني مؤمل بن حبيب بن عدي بن كعب أسلمت قبل إسلام عمر بن الخطاب وكان عمر يعذبها حتى تفتن ثم يدعها ويقول إني لم أدعك إلا سآمة فتقول كذلك يفعل الله بك إن لم تسلم فاشتراها أبو بكر فأعتقها , ومنهم زنيرة وكانت لبني عدي وكان عمر يعذبها) ( الكامل لابن الاثير, ج2 ص 138, أو ج1 ص 591 في نسخة آخرى)
ظن المسلمون أن عمرا لن يسلم أبداً لقسوته الشديدة على المستضعفين من المسلمين كأمته زنيرة والجارية لُبينة وأخته , وتحكي ليلى بنت أبي حثمة وهي من المسلمات الاوئل فتقول ( كان عمر أشد الناس علينا في أسلامه ) ( أسد الغابة لابن الأثير ج 7 ص256) . وفيما يلي رواية عن هجرة المسلمين الاولى من مكة الى الحبشة وفيها يتبين يأس المسلمين من اسلام عمر, وقد رفع السند للاختصار :
( عن عبدالله بن عامر بن ربيعة عن أمه أم عبدالله بنت أبي حثمة قالت : و الله إنا لنترحل إلى أرض الحبشة وقد ذهب عامر ( زوجها) في بعض حاجاتنا إذ أقبل عمر بن الخطاب حتى وقف علي وهو على شركه ( لم يزل مشركاُ) ( - قالت : وكنا نلقى منه البلاء أذى لنا وشدة علينا - قالت : فقال : إنه للانطلاق يا أم عبدالله . قالت : فقلت : نعم والله لنخرجن في أرض الله آذيتمونا وقهرتمونا حتى يجعل الله مخرجا . قالت : فقال : صحبكم الله . ورأيت له رقة لم أكن أراها ثم انصرف وقد أحزنه - فيما أرى - خروجنا . قالت : فجاء عامر ( زوجها) بحاجته تلك فقلت له : يا أبا عبدالله لو رأيت عمر آنفا ورقته وحزنه علينا . قال : أطمعت في إسلامه ؟ قالت : قلت : نعم ؛ قال : فلا يسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب ؛ قالت : يأسا منه لما كان يرى من غلظته وقسوته عن الإسلام .)
( السيرة النبوية لابن هشام ج2 باب إسلام عمر, مجمع الزوائد للهيثمي ج 6 ص 23,سيرة ابن كثير ج2 ص 32 , الكامل لابن الاثير ج1 ص602 وفي طبعة النت ج2 ص 146) . إن الراوية أم عبد الله وزوجها كانا حلفاء لآل الخطاب في الجاهلية , وظهر عمر بمظهر الشفوق الرؤوف بهم للاصرة القبلية التي تجمعهم فهو أيضا من آل الخطاب ولو كان شفوقا لشفق على الجارية زنيرة وعلى الجارية لبينة. ثم تأمل يأس الرجل من أسلام عمر حتى يقول أن احتمال اسلام حماره أكبر من احتمال اسلام عمر نفسه . الرواية الاخيرة أعلاه حدثت والمسلمون في طريقهم للهجرة الاولى الى الحبشة ,وقد تمت الهجرة بعد منتصف السنة الخامسة لدعوة الاسلام بأتفاق المؤرخين , ويعني هذا أن عمرا لم يزل مشركا وقد مضى على الدعوة خمس سنين , فلايقول قائل ان عمراً من اوائل المسلمين, لأن الرواية تصفعه لتفيقه من أكذوبة اسلام عمر في بداية الدعوة. بعد هذه الهجرة الاولية للحبشة هناك هجرة ثانية للحبشة حدثت بعد فترة يسيرة أيضا وفي تلك الهجرة الثانية لم يكن عمر مسلما بعد, أي أن دعوة الدين مضى عليها ست سنوات على الأقل وعمر لايزال مشركاً, وهذا مايتفق عليه المؤرخون فقالوا أن عمرا بن الخطاب أسلم بعد هجرة المسلمين الى الحبشة, لكنهم لم يحددوا متى أسلم, فما بين هجرة الحبشة الثانية والهجرة الى المدينة أكثر من ست سنوات أخرى , ففي أي سنة بين تلك السنين أسلم عمر ؟ سيأتي جوابه بعد قليل .
عمر يوعد المشركين بأنه سيقتل النبي محمد
لشخصية عمر خصائص شهيرة بينتها كتب السيرة والتاريخ ومن أهم تلك الخصائص صياحه وبطولاته القائمة على التهديد والوعيد ,وقد عرف المعاصرون لعمر تلك الخصيصة لتكررها في سلوكه ,وقد مر في فصل السقيفة وقصة البيعة كيف ان قيس بن سعد بن عبادة وصم عمرا بالجبن وقال له (جبان في الحرب شجاع في الملأ ), فعمر كان شجاعاً بين جماهير الناس لكنه عند النزال يختفي ويهرب وتشهد له بذلك حروب المسلمين التي أشترك فيها , فهذه كتب السيرة والتاريخ تتفق بأجمعها على أن عمرا قتل رجلاً واحداً فقط في كل حروب المسلمين مع المشركين وقتله لذلك الرجل كان بمساعدة مسلم آخر , فأين البطولات والشجاعة التي ألفها الكتاب وصاغوها بأسلوب قصصي شيق؟ كان عمر كما يبدو شجاع في تعذيب النساء والمستضعفين أما غير ذلك فلا , إن هذه الخصلة كان يعرفها عمر في نفسه لذا نراه يروي قصة اسلامه مضيفاً عليها هالة من البطولة . كانت قريش قد كلفت عمر أكثر من مرة بأغتيال النبي ويعترف عمر بذلك في أكثر من رواية فيقول: ( كنت من اشد الناس على رسول الله) ( اسد الغابة لابن الاثير ج4 ص 162) , وفي رواية أخرى يُروى أن قريشاً بعثته لاغتيال النبي (ص) وكما يلي:
يُحدث الراوي على لسان عمر فيقول:
( قال لنا عمر بن الخطاب أتحبون أن أعلمكم كيف كان بدء إسلامي ؟ قلنا نعم قال كنت من أشد الناس على رسول الله فبينا أنا يوما في يوم حار شديد الحر بالهاجرة في بعض طرق مكة إذ لقيني رجل من قريش فقال أين تذهب يا ابن الخطاب أنت تزعم أنك هكذا وقد دخل عليك هذا الأمر في بيتك, قال : قلت وما ذاك؟ قال :أختك قد صبأت ( صارت مسلمة)! قال :فرجعت مغضبا وقد كان رسول الله يجمع الرجل والرجلين إذا أسلما عند الرجل به قوة فيكونان معه ويصيبان من طعامه وقد كان ضم إلى زوج أختي رجلين, قال : فجئت حتى قرعت الباب فقيل من هذا قلت ابن الخطاب قال :وكان القوم جلوسا يقرأون القرآن في صحيفة معهم فلما سمعوا صوتي تبادروا واختفوا وتركوا أو نسوا الصحيفة من أيديهم. قال: فقامت المرأة ( أخته) ففتحت لي, فقلت :يا عدوة نفسها قد بلغني أنك صبوت ,قال: فأرفع شيئا في يدي فأضربها به فسال الدم ,قال: فلما رأت المرأة الدم بكت ثم قالت يا ابن الخطاب ما كنت فاعلا فافعل فقد أسلمت! قال: فدخلت وأنا مغضب فجلست على السرير فنظرت فإذا بكتاب في ناحية البيت فقلت ما هذا الكتاب أعطينيه فقالت لا أعطيك لست من أهله أنت لا تغتسل من الجنابة ولا تطهر وهذا لا يمسه إلا المطهرون. قال: فلم أزل بها حتى أعطتنيه فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم فلما مررت ب الرحمن الرحيم ذعرت ورميت بالصحيفة من يدي ثم رجعت إلي نفسي فإذا فيها سبح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم ,قال: فكلما مررت باسم من أسماء الله عز وجل ذعرت ثم ترجع إلي نفسي حتى بلغت آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه حتى بلغت إلى قوله إن كنتم مؤمنين فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله, فخرج القوم يتبادرون بالتكبير استبشارا بما سمعوه مني وحمدوا الله عز وجل ثم قالوا يا ابن الخطاب أبشر فإن رسول الله دعا يوم الاثنين فقال اللهم أعز الإسلام بأحد الرجلين إما عمرو ابن هشام وإما عمر بن الخطاب وإنا نرجو أن تكون دعوة رسول الله لك (اسد الغابة لابن الاثير ج 4 ص162)
ونقول: إذا كان الرسول حقا قد دعا الله أن يعز الاسلام بأحد الرجلين فلماذا لم يدعو الله أن يعز الاسلام بكليهما معاً وهو خاتم الانبياء (ص) ودعوته مستجابة؟ أما عمرو بن هشام فقد اطلق عليه النبي والمسلمون لقب اباجهل فماذا يُرتجى من رجل كأبي جهل. وماهي العزة التي سيضيفها أبوجهل الى الدين , ومثله عمر كذلك ؟ إن الدين عزيز بذاته ولن يحتاج الى رجل معين, فعباد الله سواسية , ولانرى أن النبي (ص) يدعو هكذا دعوة سخيفة مفضلاً رجل على غيره من الرجال والنساء وكأنه يريد أن يفاضل بين الناس وحاشاه عن ذلك , فدعوة الاسلام لكل البشر ولن تحتاج الى أبي جهل ولا الى عمر وغيرهما.
في الرواية أعلاه عمر يعترف بقوله أنه كان من أشد الناس على رسول الله, ثم يفاجأه الرجل بخبر أسلام أخته وزوجها فيندهش عمر,ثم نرى شجاعته كما يصورها وهي بضرب أخته حتى يسيل دمها! ثم لاينسى أن يضيف في آخر قصته أن النبي دعا أن يعز الاسلام بأحدر الرجلين وهو أحدهما.
هناك رواية أخرى يرويها ابن الاثير أيضا في أسد الغابة وهي عن ابن اسحاق صاحب السيرة تبين أن عمراً كان عازما على قتل النبي , وهي باختصار
(عن ابن إسحاق قال ثم إن قريشا بعثت عمر بن الخطاب وهو يومئذ مشرك في طلب رسول الله, ورسول الله في دار في أصل الصفا فلقيه (لقي عمر) النحام وهو نعيم بن عبد الله بن أسيد وعمر متقلد سيفه, فقال يا عمر أين تريد فقال أعمد إلى محمد الذي سفه أحلام قريش وشتم آلهتهم وخالف جماعتهم( تأمل أيها القارئ أن عمراً متقلدا سيفه يريد قتل محمد كما يزعم), فقال النحام والله لبئس الممشى مشيت يا عمر ولقد فرطت وأردت هلكة عدي ابن كعب أو تراك تفلت من بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمدا ,فتحاورا حتى ارتفعت أصواتهما ,فقال له عمر إني لأظنك قد صبوت ( صرت مسلماً) ولو أعلم ذلك لبدأت بك, فلما رأى النحام أنه غير منته قال فإني أخبرك أن أهلك وأهل ختنك قد أسلموا وتركوك وما أنت عليه من ضلالتك, فلما سمع عمر تلك يقولها قال وأيهم قال ختنك وابن عمك وأختك فانطلق عمر حتى أتى أخته ) ( اسد الغابة لابن الاثير ج 4, ص162.كنز العمال للمتقي الهندي ج 12 ص 605,تاريخ دمشق لابن عساكر ج 44 ص 36) . إذن عمر كان حازماً على قتل النبي بأمر قريش وتأمل قول عمر للرجل : ولو أعلم ذلك لبدأت بك ! يعني لو أعلم أنك صرت مسلما لقتلتك ,ثم بعد ثواني قليلة يقول له الرجل أن اخته وختنه قد اسلموا وتركوك وما أنت على ضلالتك ,ويعني هذا أن الرجل يعترف بأسلامه امام عمر فلماذا لم يبدأ به عمر كما قال ويقتله ؟ هذه شخصية عمر وعود وتهديدات فقط ! بعد زيارته لبيت أخته ينطلق عمر لرؤية النبي وفي نيته الاسلام كما يدعي لكن ياترى هل الحقيقة هي هذه ؟ رويداَ, لنكمل الرواية:
قال عمر: (فأتيت الدار وحمزة وأصحابه جلوس فيها ورسول الله في البيت فضربت الباب فاستجمع القوم، فقال لهم حمزة (عم النبي ص): مالكم؟ , قالوا: عمر بن الخطاب ، قال حمزة: وعمر بن الخطاب ؟ إفتحوا له الباب فإن كان يريد خيراً بذلناه له وإن كان يريد شراً قتلناه بسيفه فإن قتله علينا هيّن !فقال رسول الله: مالكم؟ قالوا: عمر بن الخطاب،: فخرج رسول الله فأخذ بمجامع ثيابه ثم شدّه من ثيابه ثم نتره فما تمالك إلا أن وقع عمر على ركبتيه في الأرض، فقال رسول الله: ما أنت منتهٍ يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بـالوليد بن المغيرة، فقال عمر: أشهد أن لا إله إلا الله) ( السيرة النبوية لابن إسحاق ج2 ص160, باب أسلام عمر , تاريخ دمشق لابن عساكر ج18 ص62 , الطبقات لابن سعد ج 3 ص 191) .
تأمل قول حمزة عم النبي ساخراَ :( وعمر بن الخطاب!) ثم يكمل أنه سيقتله بسيفه وأن قتله هين , وهذا دليل على شهرة عمر بجبنه فهو لايُرعب ولايتعدى الا على النساء والضعفاء والمساكين, ولم تشهد له معارك المسلمين نزالا واحدا أو مبارزة واحدة.
يتفق المؤرخون على أن عمر لم يكن مسلماً في السنين السبعة الاولى من الدعوة والنصوص التي تقدم ذكرها بينت ذلك وهذا كفيل لكل متحمس لعمر أن يعرف أن عمر لم يكن من المسلمين الاوائل كما يدعي كثير من الكتاب المعاصرين , بل هو آخر من أسلم في مكة وسيأتي أثبات ذلك ! لنعود الى النص الذي تقدم ذكره وهو على لسان سعيد بن زيد زوج أخت عمر (ختن عمر) ,حين يقول :
(عن سعيد بن زيد بن نفيل العدوي قال: لقد رأيتني و إنّ عمر لموثقي على الإسلام وأخته ( أخت عمر)!)( كتاب صحيح البخاري ج8 ص56, وعن سير أعلام النبلاء للذهبي ج1 ص136). هذا النص لا غبار عليه وهو نص موثق, ويعني هذا أن عمرا بعد علمه بأسلام أخته وزوج أخته سعيد بن زيد صار يعذبهما ويشدهما بوثاق. إذن لماذا يتفاجأ عمر ذلك اليوم عندما يبلغه رجل بأسلام أخته وزوجها كما مر حيث يقول له ( فإني أخبرك أن أهلك وأهل ختنك قد أسلموا وتركوك وما أنت عليه من ضلالتك فلما سمع عمر تلك يقولها قال وأيهم قال ختنك وابن عمك وأختك فانطلق عمر حتى أتى أخته )( اسد الغابة لابن الاثير ج 4, ص162.كنز العمال للمتقي الهندي ج 12 ص 605,تاريخ دمشق لابن عساكر ج 44 ص 36) , ثم يدخل الاسلام في ذلك اليوم ويذهب الى النبي ويقول الشهادة. الحقيقة هي أن (عمر) حقاً تفاجأ بأسلام أخته وزوجها وذهب في نفس ذلك اليوم الى النبي محمد (ص) هاماً بقتله كما تروي الرواية في البداية ,وكما رواها هو على لسانه , لكنه أحجم عن ذلك عندما رأى هيبة النبي وعندما هزه النبي ونتره وقال له أسلم قبل أن تلحق بمصير الوليد بن المغيرة فيعلن عمر إسلامه. إذن متى عذب عمرا أخته وزوجها وشدهم بوثاق وهو علم ذاك اليوم لأول مرة أن أخته وزوجها صارا من المسلمين؟ فهو لم يكن يعلم بأسلامهما قبل ذلك اليوم ولما علم ذلك اليوم بأسلامهما أسلم هو نفسه بعد ساعات وفي ذات اليوم ؟ الحقيقة انه عذبهما بعد يوم أسلامه ذاك لأنه قبل يوم اسلامه لم يكن يعلم بأسلامهما فلم يكن يعذبهما وفي اليوم الذي أعلن أسلامه في دار الصفا وهي دار الارقم عرف في ظهيرة ذلك اليوم أن أخته وزوجها قد اسلما , إذن تعذيبه لهما كان بعد ذلك اليوم أي بعد اسلامه ,وهذا يثبت ان أسلامه ذلك اليوم كان شكليا وهيبة من النبي محمد ص.
إن قراءة تسلسل الروايات التاريخية يؤدي الى توضيح أكثر بخصوص اسلام عمر الشكلي ذلك, ولكن بعد قراءة رواية أخرى مسندة في أسلام عمر وهي باختصار وتصرف كما يلي:
روي ابن هشام عن ابن اسحاق صاحب السيرة عن عطاء ومجاهد :
( أن إسلام عمر فيما تحدثوا به عنه أنه كان يقول : كنت للإسلام مباعدا وكنت صاحب خمر في الجاهلية أحبها وأسر بها وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش فخرجت ليلة أريد جلسائي أولئك في مجلسهم ذلك قال : فجئتهم فلم أجد فيه منهم أحدا . قال : فقلت : لو أني جئت فلانا الخمار وكان بمكة يبيع الخمر لعلي أجد عنده خمرا فأشرب منها . قال : فخرجت فجئته فلم أجده . قال : فقلت : فلو أني جئت الكعبة فطفت بها سبعا أو سبعين . قال : فجئت المسجد أريد أن أطوف بالكعبة فإذا رسول الله قائم يصلي وكان إذا صلى استقبل الشام وجعل الكعبة بينه وبين الشام وكان مصلاه بين الركنين : الركن الأسود والركن اليماني . قال : فقلت حين رأيته والله لو أني استمعت لمحمد الليلة حتى أسمع ما يقول ! قال : فقلت : لئن دنوت منه أستمع منه لأروعنه ؛ فجئت من قبل الحجر فدخلت تحت ثيابها فجعلت أمشي رويدا ورسول الله قائم يصلي يقرأ القرآن حتى قمت في قبلته مستقبله ما بيني وبينه إلا ثياب الكعبة . قال : فلما سمعت القرآن رق له قلبي فبكيت ودخلني الإسلام فلم أزل قائما في مكاني ذلك حتى قضى رسول الله صلاته ثم انصرف وكان إذا انصرف خرج على دار ابن أبي حسين....الخ)
ثم يكمل... (قال عمر : فتبعته حتى إذا دخل بين دار عباس ودار ابن أزهر أدركته ؛ فلما سمع رسول اله حسي عرفني فظن رسول الله أني إنما تبعته لأوذيه فنهمني ثم قال : ما جاء بك يا ابن الخطاب هذه الساعة ؟ قال : قلت : جئت لأومن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله ؛ قال : فحمد الله رسول الله ثم قال : قد هداك الله يا عمر ثم مسح صدري ودعا لي بالثبات ثم انصرفت عن رسول الله ودخل رسول الله بيته .) ( سيرة ابن هشام , ج2 باب أسلام عمر)
ثم يعلق ابن اسحاق ويقول (والله اعلم أي ذلك كان!) . المؤرخ ابن أسحاق يحتار بين الرواية أعلاه وبين رواية عمر التي تقول أنه ضرب أخته وزوجها ثم ذهب الى النبي وأعلن أسلامه كما تقدم .
الرواية الاخيرة تحكي أيضا قصة إسلام عمر, فما اسلامه الاول إذن عندما ذهب الى البيت والمسلمين مجتمعين مع النبي ومعهم حمزة عم النبي ؟ إذن هناك أكثر من مرة يدخل عمر في الاسلام ,وهذا يفسر حيرة ابن اسحاق وكذلك صاحب السيرة ابن هشام وغيرهم . إن ترتيب الروايات يؤدي الى نتيجة منطقية واحده وهي ستظهر بوضوح بعد ترتيب ما تقدم وكما يلي :
يذهب عمر في طريقه لأغتيال النبي كما أوصته قريش ثم يتفاجأ بأن أخته وزوجها قد دخلا الاسلام , فيذهب اليهما غاضبا لدخولهما الاسلام, ويضرب أخته فيسيل دمها, وهناك رواية أخرى على لسانه تروي أنه ضرب زوجها زيد كذلك وأدماه , ثم يقرأ شيئا من القرآن في الصحيفة ويقول دلوني على محل النبي فيذهب اليه , يتفاجأ هناك بوجود المسلمين وينهار أمام هيبة النبي وفراسته فيقع على ركبتيه خوفا ويعلن أسلامه , ثم يضيف راويا بلسانه أن المسلمين أعلنوا دعوتهم بأسلامه وأحسوا أمناُ لأنه بطل, وأن النبي كان يدعو الله أن يعز الاسلام بأسلام عمر وغيرها من مدائح لم نجدها الا في نصوصه التي رواها نفسه.
ان عمرا لم يسلم حقيقة ذلك اليوم, بل أسلم خوفاً من النبي وصار بعد ذلك ينتقم من المسلمين ومنهم أخته وزوجها فعاد اليهم بعدما عرف بأسلامهم ظهيرة ذلك اليوم وصار يشدهم بوثاق ويعذبهما كما ورد في حديث أخو زوجته , فهو لم يكن يعلم بأسلامهما قبل ذلك اليوم ويعني هذا أنه لم يعذبهما قبل ذلك اليوم أنما هو عذبهما بعد ذلك وبعد أن جثا على ركبتيه بباب بيت اجتماع المسلمين وقال بالشهادة, ثم تأتي الرواية الاخيرة التي حيرت المؤرخين وهي اسلامه عندما كان متخفيا بين أستار الكعبة يتسمع للنبي, وربما كان يحاول أغتيال النبي فلم يستطع فيعلن أسلامه مرة أخرى للنبي, ولهذا دعا النبي له بالثبات هذه المرة كما يروي ابن هشام (ثم مسح صدري ودعا لي بالثبات ثم انصرفت عن رسول الله ودخل رسول الله بيته .) ( سيرة ابن هشام , ج2 باب أسلام عمر) فهذه ليست المرة الاولى التي يدخل فيها الاسلام وهذا يفسر لنا تعذيبه لاخته ولزوجها وشدهما بالوثاق بعد اسلامه الكاذب في المرة الاولى كما تقدم . بعض المؤرخين أتفقوا على أن أسلام عمر حدث بعد نهاية السنة السادسة للدعوة عندما كان بعض المسلمين آنذاك في هجرتهم الثانية في الحبشة, لكن النصوص التي مرت تبين أنه أسلم بعد ذلك بوقت طويل, فإسلامه كان متأخرا في أواخر أيام المسلمين في مكة , وهذا ما سيتضح بعد قليل فرويداً.
ماهو تسلسل عمر في الاسلام ؟
( قال طلحة بن عبيد الله ما كان عمر بن الخطاب بأولنا إسلاما ولا أقدمنا هجرة)( اسد الغابة لابن الاثير ج4 ص167)
ويروي ابن الاثير أن الدعوة صارت علنية بعد أسلام عمر الاول :
(فقال عمر: يا نبي الله أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فكبر أهل الإسلام تكبيرة واحدة سمعها من وراء الدار والمسلمون يومئذ بضعة وأربعون رجلاً واحدى عشرة امرأة. ) (سيرة ابن اسحاق ج1 ص 146). ( أسلم عمر بعد خمسة وأربعين رجلا وإحدى عشرة امرأة) )( اسد الغابة لابن الاثير ج5 ص 158).
( استخفى رسول الله في داره وهي في أصل الصفا والمسلمون معه بمكة لما خافوا المشركين فلم يزالوا بها حتى كملوا أربعين رجلا وكان آخرهم إسلاما عمر بن الخطاب فلما كملوا به أربعين خرجوا ) ( أسد الغابة لابن الاثير ج1 ص 95). يعني ابن الاثير أن الاربعين رجلا هم المسلمون في مكة فقط من غير تعداد المسلمين الذين في الحبشة ومن غير تعداد المسلمين في يثرب , فهناك مسلمون مهاجرون في الحبشة آنذاك عددهم يزيد على الثمانين رجلا وامرأة , فيروي ابن اسحاق وابن هشام كذلك : (أن عدد المسلمين في هجرة الحبشة الثانية كان ثلاث وثمانون رجلأ )( سيرة ابن اسحاق على تهذيب ابن هشام, باب هجرة الحبشة الثانية) , ولم يكن عمر مسلما في ذلك الوقت بأتفاق المؤرخين , ويروي ابن الاثير (وأقام المسلمون بمكة يؤذون فلما رأوا ذلك رجعوا مهاجرين إلى الحبشة ثانيا فخرج جعفر بن أبي طالب وتتابع المسلمون إلى الحبشة فكمل بها تمام اثنين وثمانين رجلا والنبي مقيم بمكة يدعوا الله سرا وجهرا ) ( الكامل في التاريخ لابن الاثير , ج1 ص 143). أما عدد المسلمين في مدينة يثرب( المدينة المنورة) في ذلك التاريخ فكان كما يلي :
قال ابن الاثير ( لما فشا الاسلام في الأنصار( اهل يثرب) اتفق جماعة منهم على المسير إلى النبي مستخفين لا يشعر بهم أحد فساروا إلى مكة في الموسم في ذي الحجة مع كفار قومهم واجتمعوا به وواعدوه أوسط أيام التشريق بالعقبة فلما كان الليل خرجوا بعد مضي ثلثه مستخفين يتسللون حتى اجتمعوا بالعقبة وهم سبعون رجلا معهم امرأتان نسيبة بنت كعب أم عمارة وأسماء أم عمرو بن عدي من بني سلمة وجاءهم رسول الله ومعه عمه العباس بن عبد المطلب وهو كافر أحب أن يتوثق لابن أخيه) ( الكامل لابن الاثير ج2 باب بيعة العقبة الثانية) ولم يكن عمر قد دخل الاسلام في بيعة العقبة الثانية أيضا.
من حصيلة النصوص يكون اسلام عمر حدث بعد أسلام 83 رجلا في الحبشة + 45 رجلا في مكة + 70 رجلا من مدينة يثرب= 198 رجلا مجموع المسلمين قبل اسلام عمر دون حساب النساء والاطفال, إذن اسلام عمر حدث بعد اسلام اكثر من مائتين انسان, فليعرف الوعاظ وخطباء الجوامع تاريخهم ويتقوا الله في تزوير الحقائق.
من المهم معرفة أن دعوة الاسلام لم تكن سرية بل كانت علنية منذ البداية وعرفت بها قريش في اوائل ايام الدعوة, وهاجر المسلمون في هجرتهم الاولى الى الحبشة في السنة الخامسة للدعوة وعرفت قريش بخروجهم وتقدم كيف أن عمرا عطف على حلفاء عشيرته الذين قال احدهم فيه أن عمر بن الخطاب لن يسلم حتى يسلم حمار الخطاب وعمر كان وقتها مشركا, فليس هناك سرية في الهجرة ولاتحفظ على الهروب من مكة , بل وردت روايات كثيرة في تحدي المسلمين لمشركي قريش في بداية الدعوة عندما كانوا يقرأون القرآن جهارا عند الكعبة وكان مشركي قريش يعذبونهم , فمن أين أتت السرية في كل ذلك ؟ ولذلك فإن قول عمر أنه بعد اسلامه خرج المسلمون واعلنوا دعوتهم كلام لامعنى له ويحتاج الى تحقيق! .
السنة التي أسلم فيها عمر
يتفق المؤرخون على أن جميع المهاجرين المسلمين من مكة الذين آخى رسول الله بينهم وبين الأنصار في المدينة (يثرب) كانوا لا يتجاوزون 45 رجلا (طبقات ابن سعد ج1 ص 1 قسم الثاني, فتح الباري الجزء 7 الصفحة 210 ). وتبين لنا أن أسلام عمر بن الخطاب كان بعد خمسة وأربعين رجلاً( أسلم عمر بعد خمسة وأربعين رجلا وإحدى عشرة امرأة) )( اسد الغابة لابن الاثير ج5 ص 158, وكذلك في سيرة ابن اسحاق). ويقول عمر على لسانه (وكنت رابع أربعين رجلاً ممن أسلم) ( كنز العمال للمتقي الهندي ج12 ص 552) .وبما أن المهاجرين المسلمين الذي آخى رسول الله بينهم وبين الانصار في يثرب كانوا لايتجاوزون 45 رجلاً , أذن أسلام عمر كان في السنة الاخيرة في مكة وبعدها تمت هجرة أولئك الخمس وأربعين رجلا وأحد عشر أمرأة الى يثرب وفيهم عمر آخر الرجال , فلم يدخل الاسلام بعد أولئك الخمس وأربعين رجلا أحد من أهل مكة , فأولئك الخمس وأربعين رجلا هم مسلمو مكة قبيل الهجرة وكان عمر آخرهم , إذن اسلامه كان في السنة الاخيرة قبل الهجرة ليثرب.
كانت الهجرة الى المدينة بعد أكثر من عشر سنوات من بداية الدعوة, وأسلام عمر كان في السنة الاخيرة قبل الهجرة أي على أقل تقدير بعد عشر سنوات من ظهور الدعوة. مرر المؤرخون هذه الحقيقة بخلطها عن عمد وربما عن غير عمد بهجرة المسلمين الى الحبشة حيث قالوا أن أسلام عمر كان بعد هجرة المسلمين الى الحبشة والهجرة الى الحبشة كانت بين السنة الخامسة والسادسة للدعوة وهو قول لاغبار عليه فحقا أسلم عمر بعد الهجرة الى الحبشة ولكن هناك فترة تقارب الستة سنوات بعد هجرة الحبشة ففي أي سنة كان اسلام عمر؟ لم يبين المؤرخون ذلك وتركوا القراء يمرون على الروايات فظن الناس أن عمراً أسلم بعد هجرة المسلمين الى الحبشة مباشرة, ولكن الحقيقة غير ذلك فالقرائن تبين أنه نعم أسلم بعد هجرة المسلمين الى الحبشة ولكن ليس مباشرة بعد ذلك ,وتسلسل أسلامه كان بعد 198 رجلا من غير حساب عدد المسلمين من النساء والاطفال كما تقدم ذكره.
إذن لم يكن عمر من المسلمين الاوائل كما يروج المروجون ,ولم يعاني اضطهاد قريش بل في الحقيقة هو اعلن أسلامه مرة عندما ذهب الى دار الصفا وذلك خوفا من النبي وتهديده وفي ذلك اليوم عرف أن ختنه وأخته من المسلمين فعاد بعد اسلامه الشكلي يعذبهما على اسلامهما كما روت الروايات؟ ثم عاد ثانية يتسلل خلف ستار الكعبة مطارداً النبي ليقول له أنه جاء ليدخل الاسلام كما في الرواية التي حيرت المؤرخ ابن اسحاق .
هناك رواية تحكي أن عمر عندما خرج مسلما مهاجراً الى المدينة توعد قريش بقوله أن من كان شجاعا فليتبعه لأن مصيره سيكون القتل على يده! الخوض في سند الرواية لايجدي لتهافتها والطريف أن قُيدت على لسان علي بن أبي طالب لتأكيد مصداقيتها , فهل حقا كان عمر بهذه الشجاعة يخرج وحده في وضح النهار مهددا قريش بأنه مسلم سيهاجر الى المدينة ولايطارده أي رجل منهم ؟ بينما النبي محمد (ص) المؤيد بالله وملائكته يخرج تحت جنح الليل متخفيا يترقب المشركين كي لايلحقوا به . لقد اراد المحرفون أظهار عمر بمظهر من هو أشجع من النبي وأقوى. لو صحت رواية عمر بتهديده للمشركين أن لايلحقوه, فإن عرب قريش تركوه يخرج ولم يتبعوه ليس خوفاً منه , بل اما لأنه فرد غير مهم ولايزيد في الحساب خردلة , و إما لأنه كان يظهر الاسلام فقط ويبطن الشرك فلم تعتبره قريش عدوا لها , وسيأتي في معارك المسلمين مع قريش كيف يترك المشركون عمرا أكثر من مرة ولايقتلوه مع قدرتهم على ذلك, وكأنه حليف لهم وليس عدوا !
وأخيرا للذين يقولون أن عمر كان شديدا مما جعل النبي يعلن رسالته لقريش بعد أسلامه, ما قولهم في حصار قريش لبني هاشم؟ فقد حاصرت قريش بني هاشم في شعب من شعاب مكة وقاطعوهم وكتبوا وثيقة عهد بذلك وعلقوها في الكعبة فلم يتزوجوا منهم ولم يخالطوهم ولم يعاشروهم ومنعوا عنهم ما يستطيعون من قوت وطعام فمات في الحصار عم النبي أبوطالب وماتت زوجته السيدة خديجة من وطأة ذلك الحصار ,وبعد وفاة أبوطالب لم يكن للنبي من ينصره في مكة فأمر المسلمين بالهجرة الى المدينة . يذكر ابن سعد في الطبقات أن الحصار دام لمدة سنتين ويقول (وكان خروجهم من الشعب في السنة العاشرة)( الطبقات الكبرى لابن سعد ج3 باب حصار قريش لبني هاشم). وتمت الهجرة بعد ذلك . أين كان عمر في تلك السنة وهي السنة العاشرة للدعوة؟ وما هي مواقفه وأعماله البطولية الخارقة إذا كان مسلماً. الحقيقة أن عمرا كان لايزال على شركه مع قريش فهو لم يدخل الدين الا قبل الهجرة بقليل وبتسلسل عدده الخمس وأربعين الذي رواه المؤرخون وكرروه يكون عمر من آخر المسلمين في مكة قبل الهجرة ,لأن رجال مكة المسلمين الذين آخى النبي (ص) بينهم وبين أهل مدينة يثرب كانوا لايتجاوزن الخمس والاربعين رجلا بأتفاق الجميع ويعني هذا أن تسلسل عمر كان آخر رجل أعلن أسلامه في مكة قبل الهجرة الى يثرب بفترة قصيرة جدا,ولايذكر التاريخ حادثة واحدة لعمر وهو مسلم في مكة ,إذن كان أسلام عمر بعد أكثر من عشر سنوات من بداية الدعوة وبعد اسلام اكثر من مائتين رجل من مسلمي الحبشة والمدينة ومكة من دون حساب عدد النساء والاطفال.
علم الخليفة عمر وفقهه
ذكاء الخليفة وقابليته في الحفظ
عن ابن عمر وهو عبد الله بن عمر، قال: (تعلّم عمر سورة البقرة في اثنتي عشرة سنة، فلمّا ختمها نحر جزوراً) ( الغدير للعلامة الاميني باب نوادر الاثر , وعن شرح النهج ج 12 ص 66، الدرّ المنثور للسيوطي ج1 ص 21، تفسير القرطبيّ ج1 ص 40وفيه في بضع عشرة سنة) . هل تحتاج سورة البقرة لهذا الوقت الطويل حتى يتم الرجل حفظها ؟ أمر عجيب حقا, أن هذا يدل على عدم أهتمام الرجل بالحفظ وهو يعترف بذلك كما تقدم في قوله: ( ألهاني الصفق بالاسواق...الخ).
الخليفة لايعلم حكم الجنابة!
( قيل إن رجلا أتى عمر فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء؟ فقال عمر: لا تصل. فقال عمار: أما تذكر يا أمير المؤمنين! إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت، فقال النبي(ص): إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك؟ فقال عمر: إتق الله يا عمار! قال: إن شئت لم أحدث به؟ وفي لفظ: قال عمار: يا أمير المؤمنين! إن شئت لما جعل الله علي من حقك أن لا أحدث به أحدا؟ ولم يذكر) (نوادر الاثر للأميني وعن سنن أبي داود ج 1 ص 53. سنن ابن ماجة ج 1 ص 200. مسند أحمد ج 4 ص 265. سنن النسائي ج 1 ص 59، 61. سنن البيهقي ج 1 ص 209)
إن الرجل أتى الخليفة سائلا عن الجنابة فيجيبه عمر الخليفة بعدم جدوى الصلاة, بينما يصحح عمار بن ياسر ذلك ويذكره بقصة حدثت له مع النبي .من الغريب أن تفوت خليفة المسلمين هذه المسألة البسيطة التي هي من اوليات الدين وقد بينت نصوص الكتاب الكريم هذه المسألة, فكيف فات على خليفة المسلمين جوابها؟
(يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا، وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغايط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا) (المائدة 43). ليس بعيدا أن الخليفة عمر لم يسمع بهذه الاية فهو أتم حفظ سورة البقرة في اثنتي عشر سنة كما مر, وهذه الآية من سورة المائدة!.
الخليفة يقضي برأيه ولايعلم
أخرج الحافظان ابن أبي حاتم والبيهقي عن الدئلي: أن عمر بن الخطاب رفعت إليه امرأة ولدت لستة فهم برجمها، فبلغ ذلك عليا فقال: ليس عليها رجم. فبلغ ذلك عمر فأرسل إليه فسأله فقال: قال الله تعالى: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين. وقال: وحمله وفصاله ثلاثون شهرا فستة أشهر حمله وحولين فذلك ثلاثون شهرا. فخلى عنها وفي لفظ النيسابوري والحافظ الكنجي: فصدقه عمر وقال: لولا علي لهلك عمر وفي لفظ سبط ابن الجوزي: فخلى وقال: أللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب. ( الرواية عن كتاب نوادر الاثر في غديرالعلامة الاميني) وروى كذلك: (مر علي بن أبي طالب بمجنونة بني فلان قد زنت وهي ترجم فقال علي لعمر يا أمير المؤمنين! أمرت برجم فلانة؟ قال: نعم قال: أما تذكر قول رسول الله, رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق؟ قال: نعم: فأمر بها فخلى عنها!
(نوادر الاثر للأميني ونقله عن الرياض النضرة للمحب الطبري ج2 ص196, سنن ابن ماجة ج2 ص 227, المستدرك للحاكم ج2 ص 59, السنن الكبرى للبيهقي ج8 ص264 , جامع الاصول لابن الاثير ج2 ص 5). كيف تفوت هذه القضية على خليفة المسلمين وكيف لايسأل عنها اذا لم يكن متأكدا, انه يحكم اعتباطيا في مسألة فيها حياة وموت ,وكان من حظ المجنونة المسكينة أن يمر علي بن أبي طالب لينقذها من جهل القاضي , فلاندري كيف كان حال المسلمين تحت هكذا حاكم؟
الخليفة يدلي بدلوه في مسائل لايعلم عنها شيئا
عن أبي سعيد الخدري قال: حججنا مع عمر بن الخطاب فلما دخل الطواف استقبل الحجر فقال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا إني رأيت رسول الله (ص) يقبلك ما قبلتك فقبله، فقال علي بن أبي طالب : بل يا أمير المؤمنين! يضر وينفع ولو علمت ذلك من تأويل كتاب الله لعلمك أنه كما أقول , قال الله تعالى: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم) فلما أقروا أنه الرب عز وجل وأنهم العبيد كتب ميثاقهم في رق وألقمه في هذا الحجر وأنه يبعث يوم القيامة وله عينان ولسان وشفتان يشهد لمن وافى بالموافاة فهو أمين الله في هذا الكتاب، فقال له عمر: لا أبقاني الله بأرض لست فيها يا أبا الحسن ,وفي لفظ: أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن) ( نوادر الاثر في علم عمر للعلامة الاميني ,وعن المستدرك للحاكم ج1 ص 457، سيرة عمر لابن الجوزي ص 106، إرشاد الساري للقسطلاني ج 3 ص 195، عمدة القاري للعيني ج4 ص 606 شرح النهج لابن أبي الحديد ج 3 ص 122، الفتوحات الإسلامية لاحمد زيني دحلان ج 2 ص 486) . الا يدل هذا على رغبة عمر في الزيادة والنقصان والتغيير في شرع الله , فلولا وجود علي بن أبي طالب في تلك الساعة لأصبح عدم تقبيل الحجر الاسود من السنن الى يومنا هذا حسب رأي الخليفة عمر وهذا ما حصل في قضايا كثيرة سيأتي ذكرها.
الصلاة عمود الدين ولكن الخليفة الثاني يجهل الصلاة احيانا لانشغاله بتجارته!
(عن عبد الرحمن بن حنظلة بن الراهب: إن عمر بن الخطاب صلى المغرب فلم يقرأ في الركعة الأولى فلما كانت الثانية قرأ بفاتحة الكتاب مرتين فلما فرغ وسلم سجد سجدتي السهو)( عن نوادرالاثر في الغدير, وعن ان حجر في فتح الباري ج 3 ص 69 وقال: رجاله ثقات وكأنه مذهب لعمر)
وأخرج البيهقي فقال : (صلى بنا عمر بن الخطاب فلم يقرأ في الركعة الأولى شيئا فلما قام في الركعة الثانية قرأ بفاتحة الكتاب وسورة، ثم عاد فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة: ثم مضى فلما فرغ من صلاته سجد سجدتين بعد ما سلم. وفي لفظ: سجد سجدتين ثم سلم.) (نوادرالاثر في الغدير للاميني ونقله عن السنن الكبرى ج2 ص 382 للبيهقي)
عن إبراهيم النخعي: (إن عمر بن الخطاب صلى بالناس صلاة المغرب فلم يقرأ شيئا حتى سلم فلما فرغ قيل له: إنك لم تقرأ شيئا. فقال: إني جهزت عيرا إلى الشام فجعلت أنزلها منقلة منقلة حتى قدمت الشام فبعتها وأقتابها وأحلاسها وأحمالها فأعاد عمر وأعادوا ,وعن الشعبي أن أبا موسى الأشعري قال لعمر بن الخطاب يا أمير المؤمنين! أقرأت في نفسك؟ قال: لا، فأمر المؤذنين فأذنوا وأقاموا وأعاد الصلاة بهم.)( السنن الكبرى للبيهقي ج 2 ص 382، كنز العمال ج 4 ص 213 ) المتأمل في الروايات اعلاه بخصوص الصلاة يرى خليفة ساه مشغول الفكر في تجارته, وهو مصداق لقوله في كتاب صحيح مسلم حيث يقول: ( الهاني الصفق بالاسواق عن أمر رسول الله ), فكيف سيكون عوام الناس اذا كان الخليفة بتلك الحال؟
ادلة عمر لمعرفة سن البلوغ
في الرواية الاتية, يتوصل الخليفة عمر الى اكتشاف عجيب في معرفته لسن البلوغ عند فتى :
عن ابن أبي مليكة: (إن عمر كتب في غلام من أهل العراق سرق فكتب: أن أشبروه فإن وجدتموه ستة أشبار فاقطعوه. فشبر فوجد ستة أشبار تنقص أنملة فترك)!
وعن سليمان بن يسار: (إن عمر أتي بغلام سرق فأمر به فشبر فوجد ستة أشبار إلا أنملة فتركه) ( أخرجه ابن أبي شيبة، وعبد الرزاق، ومسدد، وابن المنذر في الأوسط كما في كنز العمال ج 3 ص 116 ) وهكذا صار تقدير السن بالاشبار وقياس طول القامة, وهي عجيبة من العجائب اقرب الى قصص الف ليلة وليلة من قصص الخلفاء, ولاندري الا يعرف الخليفة أن سن البلوغ يتم معرفته بالاحتلام كما بينه النبي محمد (ص) حيث يذكر في حديث طويل أن الاحتلام هو علامة البلوغ عند الرجل وان القلم مرفوع عن ثلاث النائم حتى يفيق والمجنون حتى يشفى والطفل حتى يبلغ وعلامة بلوغه الاحتلام , ويعني هذا ان الحساب مرفوع عن هؤلاء الثلاثة, ولكن هذا الحديث النبوي غاب عن الخليفة كما غاب عشرات غيره .
تغيير أحكام الطلاق في عهد عمر
تبين الاية القرانية رقم 229 من سورة البقرة حكم الطلاق ( الطلاق مرتان أمساك معروف أو تسريح بأحسان) والاية التي بعدها تكمل( فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) وهكذا يكون الطلاق ثلاث مرات لارجعة فيها , ففي البداية تتم تطليقة ثم قد يتراضى الزوجان ويعودان وقد يحصل الطلاق مرة ثانية بعد ذلك فهذه تطليقتان وبعدها لايحل للمرأة ان تعود لزوجها حتى تتزوج غيره فاذا تزوجت غيره وطلقها الزوج الثاني عندها يمكنها العودة الى زوجها الاول الذي كان قد طلقها مرتين ولكن قد يحصل أن لايتم التوفيق في الحياة الزوجية مرة ثالثة ويرغبان في الطلاق فيكون هذا الطلاق هو الثالث والنهائي , وبهذا فالطلاق ثلاث مرات.
أما في عهد عمر فقد اختلق عمر التطليقة الثلاثية في مجلس واحد وذلك بأن يختزل الرجل حكم الطلاق بأن يقول لزوجته وفي مجلس واحد : أنت طالقة بالثلاثة! وعند ذلك تحرم عليه ولايمكن اتباع الخطوات المبينة في الاسطر الاولى من الموضوع, لان الرجل استنفد فرصه في الطلاق واختزلها في مجلس واحد ,وبذلك اختصر الزمن ودمج مراحل الطلاق الثلاث في كلمة واحدة ومجلس واحد, وهو فعل مخالف للايات القرانية وللسنة النبوية ! لنقرأ الروايات:
عن ابن عباس قال: (كان الطلاق على عهد رسول الله وأبي بكر وسنتين - وسنين - من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر : إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم)( عن كتاب نوادر الاثر للعلامة الاميني وعن مسند أحمد ج 1 ص 314، صحيح مسلم ج 1 ص 574، سنن البيهقي ج 7 ص 336، مستدرك الحاكم ج 2 ص 196، تفسير القرطبي ج 3 ص 130 وصححه، إرشاد الساري ج 8 ص 127، الدر المنثور ج 1 ص 279)
(عن طاوس قال: إن أبا الصهباء قال لابن عباس: أتعلم أنما كانت الثلاث تجعل واحدة على عهد رسول الله وأبي بكر عنه وثلاث في إمارة عمر ؟ قال ابن عباس: نعم)( نوادر الاثر للأميني وعن صحيح مسلم ج 1 ص 574) . عن طاوس قال: قال عمر بن الخطاب: قد كان لكم في الطلاق أناة فاستعجلتم أناتكم، وقد أجزنا عليهم ما استعجلتم من ذلك( كنز العمال ج5 ص 162)
هذا التلاعب في حكم الله اتى به عمر وفقا لرغبة الناس حسبما يقول : (كان لكم في الطلاق اناة فاستعجلتم أناتكم وقد اجزنا عليهم ما استعجلتم) وكأن الحكم يأتي من الواقع وليس من النص الالهي , هذا التلاعب قلب مسيرة المجتمع وعطل حكما الهيا , ولن يسعف الفقهاء وكتبة التاريخ كل قواعد الفقه واصول اللغة في الدفاع عن هذا التهاون باحكام الله. إن جعل التطليقات الثلاث في مجلس واحد أشبه بقولنا : يمكننا الاستغناء عن التكبيرات المتعددة في الصلاة بتكبيرة واحدة ؟ أو كقولنا يمكن الاستغناء عن رمي الجمار بالحج سبع مرات وذلك برجمنا الاحجار السبعة في رمية واحدة ! إن مراحل الطلاق الثلاث يجب أن تمر بين الزوجين ويعيشاها بزمنها المقرر كما بينها القران في احكامه , ولايغني قولنا وفي مجلس واحد ثلاث مرات عن مراحل الطلاق في الواقع. ولكن عمر استحدث هذا الانحراف ليؤثر هذا الحكم في صميم الحياة الاجتماعة للمسلمين حيث اتبعه الفقهاء وخالفوا النص القراني المنزل وخالفوا سنة رسوله, وخلق هذا التشريع ملابسات كثيرة في قانون الاحوال الشخصية يعاني منها المجتمع الاسلامي الى يومنا هذا.
عمر يلغي تشريع الزواج الموقت في نهاية عهده
قام عمر في آخريات أيام حكمه بأرتجال سن قانون جديد لم يعرفه المسلمون في عهد النبي ولا في عهد أبي بكر ولا حتى في عهد عمر حتى تلك السنة التي سن فيها القانون.
القانون هو الغاء حكم الزواج الموقت أو زواج المتعة . وفي ذلك يقول عمر متحدياً القران الكريم وأحاديث النبي فيلغي تشريع الزواج الموقت كما يلي :
قال جابر بن عبد الله الانصاري : (تمتعنا مع رسول الله ومع أبي بكر ، فلما ولي عمر خطب الناس فقال: إن رسول الله هذا الرسول، وإن هذا القرآن هذا القرآن، وإنهما كانتا متعتان على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما، إحداهما متعة النساء، ولا أقدر على رجل تزوَّج امرأة إلى أجل إلا غيَّبته بالحجارة، والأخرى متعة الحج، افصلوا حجكم من عمرتكم، فإنه أتم لحجِّكم وأتم لعمرتكم)( السنن الكبرى للبيهقي ج7 ص 206. وذكر مثل ذلك كل من مسلم في صحيحه و احمد بن حنبل في مسنده.). هذا هو النص الوحيد الذي اعتمد عليه الجمهور في تحريم الزواج الموقت, فليس هناك آية في القرآن حرمت ذلك ,ولم يحرمه النبي(ص) ولم يحرمه الخليفة الاول حتى جاء عمر فحرمه , ومشى الجمهور وفق تحريم عمر !
الخليفة عمر يمنع الناس السؤال ويمنع التفقه في الدين!
كان الخليفة الثاني قاسيا على من يسأله في مسائل الشرع , وقد يعود سبب ذلك الى جهله بأحكام الدين, فأراد بذلك سن سنة جديدة لجعل الناس جهلة بأصول دينهم, لانه من ناحية أخرى كان يشجع على معرفة لغة العرب والاشعار ! فقد كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري - عامله على البصرة - :( أن مر من قبلك بتعلم العربية ، فإنها تدل على صواب الكلام ، ومرهم برواية الشعر ، فإنه يدل على معالي الأخلاق ) (كنز العمال ج 10 ص 300 ) أما فما يتعلق بالقران والحديث فكان ذلك حرما لايستجرأ الناس على الخوض فيه . لنقرأ الروايات :
عن نافع مولى عبد الله: (إن صبيغ العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناد المسلمين حتى قدم مصر فبعث به عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب فلما أتاه رسول عمرو بالكتاب فقرأه فقال: أين الرجل؟ فقال: في الرحل. قال عمر: أبصر أن يكون ذهب فتصيبك مني العقوبة الموجعة. فأتاه به فقال عمر: تسأل محدثة؟ فأرسل عمر إلى رطائب من جريد فضربه بها حتى ترك ظهره دبرة , ثم تركه حتى برأ، ثم عاد له ثم تركه حتى برأ فدعا به ليعود له قال: صبيغ: إن كنت تريد قتلي؟ فاقتلني قتلا جميلا، وإن كنت تريد أن تداويني؟ فقد والله برئت. فأذن له إلى أرضه وكتب إلى أبي موسى الأشعري: أن لا يجالسه أحد من المسلمين.)( سنن الدارمي, و تاريخ ابن عساكر)
وعن الزهري: (إن عمر جلد صبيغا لكثرة مساءلته عن حروف القرآن حتى اضطربت الدماء في ظهره) (نوادر الاثر للاميني وعن سنن الدارمي ج 1 ص 54، تاريخ ابن عساكر ج 6 ص 384، سيرة عمر لابن الجوزي ص 109، تفسير ابن كثير ج 4 ص 232، الاتقان للسيوطي ج 2 ص 5).
عن عبد الرحمن بن يزيد: (إن رجلا سأل عمر عن فاكهة وأبا فلما رآهم يقولون أقبل عليهم بالدرة )( فتح الباري ج 13 ص 230، الدر المنثور ج 6 ص 317)
عن أبي العديس قال: (كنا عند عمر بن الخطاب فأتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين! ما الجوار الكنس؟ فطعن عمر بمخصرة معه في عمامة الرجل فألقاها عن رأسه فقال عمر: أحروري؟ والذي نفس عمر بن الخطاب بيده لو وجدتك محلوقا لأنحيت القمل عن رأسك.) (نوادرالاثر للأميني , وعن كنز العمال ج 1 ص 229 ، الدر المنثور ج 6 ص 321 )
أن الخليفة نفسه لم يجد جوابا لتلك الاسئلة البسيطة فانبرى بعصاه يؤدب الناس ليغطي على جهله, اليس الاولى به أن يكون عارفا وهو خليفة المسلمين أو على الاقل يسأل من هو أعلم منه ليجد جواب تلك الاسئلة ؟
حث النبي (ص) المسلمين على المعرفة والسؤال وأكد في أكثر من حادثة أن التفقه في الدين هو غاية المسلم ,ولذلك تجد الامام علي يحث الناس على السؤال بقولته الشهيرة( اسألوني قبل أن تفقدوني), فالمعرفة تقرب الانسان الى خالقه. لكن عمربن الخطاب ابتدع مسلكا جديدا وهو الحث على الجهل وعدم السؤال, وهو انحراف ادى الى انحطاط الامة التي كانت خير أمة اخرجت للناس فصارت العبادات شكلية وصار المسلم يقرأ القران ولايفقه كلماته مثله مثل الحمار يحمل اسفارا. وما أكثر من يحفظ القران عن ظهر قلب ولكن تستعصي عليه معاني كلماته وتفسير أياته, وكم من فقيه تستعصي عليه مسألة في فقه ليجيب سائلا بسؤال ويختم حديثه بكلمة (الله اعلم). فمن أين اتى أصل هذا السلوك وكيف تأصل في ثقافة الامة حتى غدت معاني القران من المجاهيل, وصارت مسائل الفقه من المعضلات, وكأن الله انزل دينا غامضا , وكيف للناس أن يتبعوا مذهبا لايفقهوا سوى بعضا منه. ثم تأمل الظلم لرجل وجلده له حتى أدماه ,ولم يكن ذنب الرجل سوى سعيه للمعرفة والتفقه في الدين , ترى بماذا يرد المقدسون للخليفة الثاني؟ أرجح أنهم سيتبعون مذهب عمر في البطش والضرب ونرى مثل ذلك في عهدنا المعاصر.
عمر يغير اذان الصلاة ويخالف اذان النبي ص للصلاة
لم يكن اذان الفجر للصلاة زمن النبي محمد (ص) يتضمن عبارة ( الصلاة خير من النوم ) ، وإنما كانت من إضافات الخليفة عمر كما يروي الإمام مالك في موطئه : ( إذ بلغه أن المؤذن جاء إلى عمر بن الخطاب يؤذنه بصلاة الصبح ، فوجده نائما .فقال : الصلاة خير من النوم . فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح ) (الموطأ لمالك بن أنس ص 58 حديث رقم 151 ) وكان الأذان زمن رسول الله يتضمن عبارة ( حي على خير العمل ) والتي كانت تأتي بعد قول ( حي على الفلاح ) ، لكن الخليفة عمر أسقط هذا الجزء من الأذان حتى يفهم عامة الناس أن خير العمل هو الجهاد في سبيل الله ليندفعوا إليه , كما علل هو ذلك (سنن البيهقي ج 1 ص 524 - 25 ، السيرة الحلبية ج 2 ص 105 )
وعن عكرمة قال : ( قلت لابن عباس : أخبرني لأي شئ حذف من الأذان ( حي على خير العمل ) قال : أراد عمر ألا يتكل الناس على الصلاة ويدعوا الجهاد ،فلذلك حذفها من الأذان ) ( عن النص والاجتهاد للعلامة شرف الدين ص 239 ) . ترى لو قال أحدنا بانه من المفيد اضافة عبارة ( النهوض مبكرا يقوي الذاكرة) الى اذان الصبح, لان العبارة ستشجع الناس على النهوض والصلاة وتحفزهم, ماذا سيكون قول الفقهاء والعلماء المعاصرين؟ بالتأكيد سيتهمون القائل بالجنون والكفر وقد يبيحون دمه, فلماذا يقبلون بفعل عمر واضافته لعبارة ( الصلاة خير من النوم)؟ أليس مافعله عمر هو عين التحريف والتغيير والخروج عن دين محمد (ص), فلماذا ينال عمر التزكية بفعله هذا وينال غيره لقب مبتدع أو صاحب بدعة أو محرف لدين الله؟
عمر يعطل اية ويلغي حكم المؤلفة قلوبهم
من المعلوم أن القرآن شرع صرف سهم من مصاريف الزكاة للمؤلفة قلوبهم ، وهم الذين يدخلون دين الاسلام وفي قلوبهم تردد في الالتزام والتقيد بأوامر دين جديد ، فيؤلف الله تعالى قلوبهم بهذا العطاء كما في قوله تعالى: ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب .) ( التوبة 60) .
عطل الخليفة عمر حكم هذه الاية ولما جاءه بعض المؤلفة قلوبهم يسألونه حصتهم ، قال لهم : ( لا حاجة لنا بكم فقد أعز الله الإسلام وأغنى عنكم ، فإن أسلمتم وإلا السيف بيننا وبينكم )( النص عن ازمة الخلافة والامامة لاسعد وحيد قاسم ونقله عن الجوهرة النيرة على فقه القدوري في الفقه الحنفي, ج1 ص 164). ألم يفكر عمر في الذين سيدخلون الدين الجديد في الاجيال المقبلة ؟ وأنهم سيحرمون من سهم الزكاة هذا الذي اهداه الله لهم , ألا يذكر عمر أن النبي لم يقطع سهم الزكاة هذا وعمل به ولو أراد تعطيل هذا السهم لعطله وتحدث به ولنسخ حكم الاية وهو النبي صاحب الشريعة! لكن عمر يمضي في مساره في التغيير والتبديل. لقد كان لتعطيل حكم المؤلفة قلوبهم بعداً استطاع فيه عمر رفع الطلقاء عن عقدة ( المؤلفة قلوبهم) ,فمعاوية وأبوه أبو سفيان كانا من الطلقاء وكانا يأخذان نصيبا من سهم المؤلفة قلوبهم وعند إلغاء عمر لهذا التشريع صار معاوية وابوسفيان وغيرهم من الطلقاء سواسية مع المسلمين الاوائل . نعم كان لالغاء حكم الاية شأوا بعيدا هو غير ما توهمه المدافعون عن عمر , أولئك الذين أضافوا تحريف عمر هذا الى حسناته ,واعتبروا فعله ذلك من عبقرياته واجتهاداته, الحقيقة أن عمرا أراد أن يرفع عن الطلقاء كمعاوية وأبيه وصمة سهم المؤلفة قلوبهم ليرفعهم بذلك الى مستوى غيرهم من المسلمين الاوائل فيتأهلوا لمناصب الرياسة-( الطلقاء هم عرب قريش الذين دخلوا الاسلام بعد فتح مكة) , ففعل عمر هذا كان من التمهيدات لأقامة دولة بني أمية , وهو ماتحقق بعد اغتياله فالخليفة من بعده أموي وهو عثمان بن عفان , وسيتبين كيف هيأ عمر الخلافة لعثمان , وهيأ عمر معاوية لذلك ولو كان معاوية من المؤلفة قلوبهم لاعترض المسلمون على توليه الخلافة . في عهد النبي وبعد فتح مكة كان لأبي سفيان منصب المسؤول على صدقات نجران ولكن ذلك لم يمنع النبي أن يعطيه سهم المؤلفة قلوبهم حتى يعرف المسلمون أن أبا سفيان هذا وابنه من الطلقاء ولن ينالوا شرف الأمارة والخلافة فهم طلقاء النبي حتى مماتهم .لكن عمر اسقط حكم الله وعطل آيات الكتاب وأزال تلك المثلبة من أعناق القوم فتأهلوا لنيل الملك والسلطان.
عمر يتجاوز الحد الشرعي ويقتل ابنه تعصبا!
عبد الرحمن بن الخليفة عمر كان مقيما في مصر , شرب عبد الرحمن هذا خمرا, فقام حاكم مصر انذاك عمرو بن العاص بحلق رأسه وجلده الحد الشرعي بحضور أخيه عبد الله بن عمر , وعندما سمع عمر بخبر ولده , أمر بإحضاره مقيدا بإحكام إلى المدينة ,ثم أقام عليه الحد مرة ثانية رغما عن مرضه وهو يصيح متوسلا: قتلتني يا أبتاه . ثم مات الابن بعد شهر في الحبس!( بتصرف عن ازمة الخلافة والامامة لاسعد وحيد قاسم ونقله عن السنن الكبرى البيهقي ج 8 ص 312 , العقد الفريد ج4 ص 479 , ) ترى من خول لعمر مضاعفة العقوبة لجرم واحد ؟ وعلى ماذا استند عمر في حكمه الظالم ذلك؟ اليس هذا تلاعبا بأحكام الله .
عمر يبتدع صلاة الجماعة في نافلة العشاء ويحول صلاة التهجد او صلاة الليل الى بدعة ( صلاة التراويح)!
كانت نافلة الصلاة بعد صلاة العشاء يصليها المسلمون فرادى في عهد النبي, وكذلك في عهد ابوبكر وشطرا من عهد عمر ,حتى ابتدع عمر صلاة التراويح وجعلها جماعة خلف امام , فغير ماكان على عهد النبي (ص), وجعل ذلك قانونا مشى عليه المسلمون حتى يومنا هذا؟
قال ابن شهاب يصف كيفية صلاة النوافل في شهر رمضان : (توفي النبي (ص) والناس على ذلك ، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر) ( صحيح مسلم بشرح النووي الجزء الثاني صفحة 410 ) ,ثم يستأنف ابن شهاب فيقول أنه خرج مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون . فقال عمر : إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب . ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم ، فقال عمر : نعم البدعة هذه )( البخاري, باب صلاة التراويح ج3 ص 126).
وأرخ اليعقوبي : (وفي هذه السنة سن عمر بن الخطاب قيام شهر رمضان، وكتب بذلك إلى البلدان، وأمر أبي بن كعب وتميما الداري أن يصليا بالناس، فقيل له في ذلك: إن رسول الله لم يفعله، وإن أبا بكر لم يفعله، فقال: إن تكن بدعة فما أحسنها من بدعة.) (تاريخ اليعقوبي ج1 ص 160)
الخليفة يعترف بلسانه أنه ابتدع في هذا الدين ولهذا يقول نعم البدعة هذه, فتأمل الجسارة على سنن النبي(ص) . فهل هو اعلم من النبي نفسه صاحب الشريعة حتى يقول ان جمعهم على قارئ واحد امثل , فهل فات ذلك على النبي الذي لاينطق عن الهوى حتى يأتي عمر ليفعله . هذه البدع وغيرها تفسر سبب سعي عمر في منع انتشار حديث النبي ومنع الناس من كتابته , فبغياب الحديث النبوي استطاع الخلفاء ومنهم عمر في ملأ الفراغ الفقهي بأرائهم و بدعهم, وفي السطور القادمة يظهر موقف عمر جليا من السنة النبوية .
عمر والسنة النبوية على خطى ابوبكر
عن عروة: (أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن فاستفتى أصحاب رسول الله في ذلك فأشاروا عليه أن يكتبها، فطفق عمر يستخير الله فيها شهرا، ثم أصبح يوما وقد عزم الله له فقال: إني كنت أريد أن أكتب السنن وإني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا أشوب كتاب الله بشيء أبدا)( تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 138 , طبقات بن سعد ج3 ص 206 ), وقد تبين دور الخليفة الاول في الغاء السنة النبوية في فصل (ابوبكر) ,وهوعين ما فعله عمر في عهده أيضاً. أمر عمر بعض المسلمين الذين يتحدثون بأحاديث النبي (ص) بالاقامة الجبرية في المدينة حتى يكونوا تحت مراقبته, يروي الذهبي عن الطبراني:
(إن عمر حبس ثلاثة: ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري، فقال: قد أكثرتم الحديث عن رسول الله ، حبسهم بالمدينة حتى استشهد)( تذكرةالحفاظ للذهبي 1 ص 7 ) وورد إن عمر بن الخطّاب قال لابن مسعود ولاَبي الدرداء ولاَبي ذرّ: (ما هذا الحديث عن رسول الله؟! أحسبه حبسهم بالمدينة حتّى أُصيب) ( منع تدوين الحديث لعلي الشهرستاني ونقله عن المستدرك على الصحيحين ج1 ص 110بتلخيص الذهبيّ ). أن الحبس في المدينة انذاك هو حكم بالاقامة الجبرية وهو حكم على خيرة الصحابة ليس لذنب الا لانهم يحدثون الناس باحاديث النبي (ص) ,وهكذا اصبحت احاديث محمد رسول الانسانية من المحرمات التي منع عمر نشرها ,ومن العجيب أنه يسمح لغيرهم بالحديث مثل كعب الاحبار الذي كان عمر يقرب مجلسه، ويعرفه بعنوان العالم (الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص 358) , ليس ذلك فقط بل فتح لكعب الاحبار مجلسا في مسجد النبي واخذ كعب يقص القصص على المسلمين ويعلمهم شؤون دينهم, و كعب هذا أسلم في عهد عمر بن الخطاب أي بعد وفاة النبي بسنين ولكنه يروي أحاديث ويعلم المسلمين اصول دينهم تحت رعاية عمر بن الخطاب . وستأتي ترجمة كعب الاحبار في فصل (دور اليهود) .
إن تقريب عمر لكعب الاحبار وابعاد الصحابة أمثال عبدالله بن مسعود وأبا ذر الغفاري وسلمان وغيرهم دليل على رغبة عمر في سن سنن جديدة لاتمت لدين محمد بصلة, و تحقق ذلك حتى صارت أعماله وابتداعاته جزءأ من تراث هذا الدين رغما لمخالفتها القران ومخالفتها للاحاديث النبوية, ولاعجب في ذلك فالناس على دين ملوكها كما قد قيل ونظام الحكم قادر على تغيير مسار الشعوب إلى حد ما . روى عبد الرحمن بن عوف فقال: (ما مات عمربن الخطّاب حتّى بعث إلى أصحاب رسول الله فجمعهم من الآفاق: عبدالله، وحذيفة، وأبو الدرداء، وأبو ذرّ، وعقبة بن عامر، فقال: ما هذه الاَحاديث التي أفشيتم عن رسول الله في الآفاق؟ قالوا: تنهانا؟ قال: لا، أقيموا عندي، لا والله لا تفارقوني ما عِشت؛ فنحن أعلم، نأخذ منكم ونردّ عليكم. فما فارقوه حتّى مات) ( النص عن نظريات الخليفتين للعلامة الطائي ونقله عن مختصر تاريخ دمشق لابن منظور ج17 ص 101 ). إنّ جملة: (أكثرتم عن رسول الله) و (أفشيتم عن رسول الله في الآفاق) تؤكّد أن نقل الاَحاديث عن النبي فيه توعية للمسلمين وتنوير لعقولهم ,وعندها يستطيع المسلمون تخطئة الخليفة اذا ما قارنوا أعماله وابتداعاته باحاديث النبي, لذلك أختار عمر التعتيم على الاحاديث النبوية وحكم على خيرة الصحابة بالاقامة الجبرية وبذلك تسنى له فعل ما يشاء.
تأمل هذا الحوار بين عمر وبين الصحابي أبي بن كعب:
(قال أُبيّ: يا عمر! أتتّهمني على حديث رسول الله؟! فقال عمر: يا أبا المنذر، لا والله ما أتّهمك عليه، ولكنّي كرهت أن يكون الحديث عن رسول الله ظاهراً) (منع تدوين الحديث لعلي الشهرستاني , وعن ابن سعد في الطبقات ج 4 ص 22) . عمر يعترف بصريح العبارة بقوله ( كرهت أن يكون الحديث عن رسول الله ظاهراً) فهو يبتغي دفن تلك الاحاديث وطمسها واخفائها عن الناس. إن الفراغ الذي نشأ في علم الحديث في عهد الخليفة الاول وفي عهد عمر ملأه عمر بقصص كعب الاحبار اليهودي وتميم الداري وغيرهم فحلت الخزعبلات الاسرائيلية محل أحاديث النبي (ص) في عهد عمر, وسيتبين ذلك في فصل (دور اليهود في المؤامرة) . وحدث مالك بن أنس فقال : (أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب هذه الأحاديث ، أو كتبها ، ثم قال : لا كتاب مع كتاب الله !)( النص عن منع تدوين الحديث للشهرستاني , وعن جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج1 ص 312)
وتماما كحال ابي بكر في حرق الاحاديث النبوية وأتلافها يقوم عمر بنفس العمل حيث روي : (حتى كثرت عندهم الكتب ، فبلغ خبرها عمر ، فقام فيهم خطيبا ، فقال : إنه قد بلغني أنه قد ظهرت في أيديكم كتب ، فأحبها إلى الله أعدلها وأقومها ، فلا يبقين أحد عنده كتابا إلا أتاني به ، فأرى فيه رأيي . فظنوا أنه يريد أن ينظر فيها ويقومها على أمر لا يكون فيه اختلاف ، فأتوه بها ، فأحرقها بالنار) ( النص عن منع تدوين الحديث للشرستاني , الطبقات الكبرى لابن سعد ج5 ص188 ، تقييد العلم للخطيب البغدادي ,). لقد تحدث النبي الكريم للناس كي يوصل رسالته اليهم و ليعلم الامة المعروف من المنكر ,لكن عمر حرق تلك الاحاديث وطمسها ومنع الناس من التحدث بها! إن قول عمر : ( كرهت أن يكون الحديث عن رسول الله ظاهرا ) ( طبقات ابن سعد ج4 ص22) ألحقه بفعله فحرق أحاديث النبي (ص), ومقولته ( لاكتاب مع كتاب الله) كانت ذريعته لحرق غير ذلك ومنها ما كتبه الصحابة عن النبي الكريم (ص). فليتق الله المضللون الذين يلوون عنق الروايات ويدافعون عن باطل. إن منع عمر التفقه في الدين ومنع الناس من السؤال يتكامل مع فعله هذا بحرق أحاديث النبي وهو القائل لاكتاب مع كتاب الله. تبدو غاية عمر هي إنشاء جيل لايعلم من الدين شيئا ويخشى السؤال والتفقه, وبعبارة أخرى جماهير غبية جاهلة يقدر الحاكم الجاهل أن يسيرها كيفما يشاء. إن نظرة عامة على المجتمع المسلم المعاصر الذي يقدس عمرا وأعماله يبين أصل ذلك ,فما أكثر حفظة القرآن والمتغنين به والدارسين للسكنات والوقفات والضمات والفتحات ولكن لاتجد من هيأ وقتا من حياته لقراءة كاملة لتفسير واحد أو صرف من وقته في مطالعة لكتب تاريخه , جماهير لاتعرف من دينها سوى مايملي الخطباء والوعاظ الذين هم على نهج عمر.
شجاعة عمر
المشهور عند المسلمين أن الخليفة عمر من أبطال المسلمين وشجعانهم ,لكن روايات التاريخ تبين عكس ذلك :
في معركة أحد
روى ابن الأثير عن معركة أحد : (انتهى أنس بن النضر عم أنس بن مالك إلى عمر وطلحة في رجال من المهاجرين قد ألقوا بأيديهم فقال: ما يحبسكم قالوا: قد قُتل النبي
قال: فما تصنعون بالحياة بعده! قوموا فموتوا على ما مات عليه. ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل فوجد به سبعون ضربة وطعنة وما عرفه إلا أخته عرفته بحسن بنانه. وقيل: إن أنس بن النضر سمع نفرًا من المسلمين يقولون لما سمعوا أن النبي قُتل, قالوا : ليت لنا من يأتي عبد الله بن أبي بن سلول ليأخذ لنا أمانًا من أبي سفيان قبل أن يقتلونا. فقال لهم أنس: يا قوم إن كان محمد قد قتل فإن رب محمد لم يقتل فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد. اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء! ثم قاتل حتى قتل)(الكامل لابن الاثير ج1, باب معركة أحد) ان ابن الاثير يذكر في هذا النص اسماء المهاجرين الذي القوا بايديهم ,وأحدهم عمربن الخطاب ثم يكمل كاتبا أن هؤلاء النفر تمنوا أن يأتي المنافق عبدالله بن سلول ليأخذ لهم أمانا من أبي سفيان قائد جيش المشركين. فتامل جُبن الرجل وأصحابه وقارنها مع الشجاعة الحقيقية للبطل الشهيد أنس بن النضر.
اعترف عمر بفراره يوم أحد وكما يلي : (جاءت امرأة لعمر أيام خلافته، تطلب بردا من برود كانت بين يديه، وجاءت معها بنت لعمر، فأعطى المرأة ورد ابنته. فقيل له في ذلك، فقال: إن أب هذه ثبت في يوم أحد ( يعني والد المرأة التي جاءته)، وأب هذه فر يوم أحد، ولم يثبت( ويعني بذلك نفسه)), وهي تصريح بفراره من المعركة يوم أحد ( شرح ابن أبي الحديد ج15)
و قال عمر كذلك : (لما كان يوم أحد هزمونا، ففررت حتى صعدت الجبل، فلقد رأيتني أنزو كأنني أروى)( كنز العمال ج2 ص 242, تفسير ابن كثير ج 1 ) ( أروى تعني الوعل أو تيس الجبل ).وروى الواقدي قول خالد بن الوليد عندما كان مشركا : (كان خالد بن الوليد يُحَدِث وهو بالشام يقول: الحمد لله الذي هداني للإسلام! لقد رأيتني ورأيت عمر بن الخطاب حين جالوا وانهزموا يوم أحد، وما معه أحد، وإني لفي كتيبة خشناء، فما عرفه منهم أحد غيري، فنكبت عنه، وخشيت إن أغريت به من معي أن يصمدوا له، فنظرت إليه موجها إلى الشعب ( مغازي الواقدي ج2 ص 153) لماذا ينكب خالد بن الوليد المشرك عن عمر المسلم في تلك المعركة؟ هل لأن عمر ليس بتلك الاهمية في نظر كفار قريش فتركوه يركض هاربا ؟ أم أن عمر أظهر الاسلام وأبطن الشرك لغاية في نفسه وعرفت قريش منه ذلك فتركته طليقاً!
وهاك رواية أخرى من معركة أحد: (فلمّا عرف كعب بن مالك أنّ رسول الله (ص)، حيّ نادى: يا معشر المسلمين ! أبشروا هذا رسول الله لم يُقتل، فأشار إليه النبيّ أن أنْصِت، مخافة أن يسمعه العدوّ فيثب عليه، فسكت الرجل. ثمّ أشرف أبو سفيان على المسلمين فقال: أفي القوم محمّد؟ فقال رسول الله: لا تجيبوه، مخافة أن يعرف أنّه حيّ فيشدَّ عليه بمن معه من أعداء الله ورسوله ( أمر النبي للمسلمين هنا بأن يصمتوا), ثمّ نادى: أنشدك الله يا عمر، أقتلنا محمّداً؟( لماذا أبوسفيان يسأل عمربن الخطاب ولم يحدد غيره بالسؤال؟) فقال عمر: اللّهمّ لا، وإنّه والله لَيسمع كلامك. قال أبو سفيان: أنت أصدق من ابن قما) ( عن كتاب الفصول المهمة للعلامة شرف الدين ص 119 ونقله عن الكامل لابن الاَثير، طبقات ابن سعد، السيرة الحلبيّة). ابن قما هو الذي ضرب النبي على وجهه بالسيف وقيل قتل مصعب بن عمير ظناً أنه النبي فعاد الى قريش يبشرها بقتل محمد ولهذا قال ابوسفيان لعمر : أنت أصدق من ابن قما. ويعني أبوسفيان أن أبن قما كذب على المشركين وأدعى قتل النبي أما أنت ياعمر فاصدق منه . هنا عمر يخالف أوامر النبي وفي ساعة الحرب الشديدة ليفصح لكفار قريش في هل أن النبي حي أم مقتول. أما سؤال ابوسفيان لعمر فهو دليل على إطمئنان قريش لعمر وهو عين السبب الذي جعل خالداً بن الوليد في الرواية السابقة يتركه ولايقتله.
معركة الخندق
في غزوة الخندق حمل ضرار بن الخطاب بن مرداس الفهري على عمر بالرمح ليطعنه ثم أمسك وقال: (يا عمر هذه نعمة مشكورة أثبتها عليك، ويد لي عندك غير مجزى بها فاحفظها، ووقع له مثل هذا مع عمر في معركة أحد، فإنه التقى معه فضرب عمر بالقناة، ثم رفعها عنه، وقال له: ما كنت لأقتلك يا ابن الخطاب)( السيرة الحلبية، الحلبي الشافعي ج2 ص 321 ) . ليس هناك قرابة بين ضرار بن الخطاب وعمر وأنما تشابه الاسمان فقط.
ضرار ابن الخطاب بن مرداس الفهري يذكره ابن حجر و يذكر قوله متباهيا ساخرا بقتل المسلمين : ( زوجت عشرة من أصحاب النبي بالحور العين)( الإصابة لابن حجر العسقلاني ج2 ص 209), ويعني بذلك أن قتل عشرة من المسلمين في أحد فما باله يترك عمر بن الخطاب مرتين وهو الذي كان بامكانه قتله ؟
معركة خيبر
في معركة خيبر يسمي النبي (ص) أبابكر وعمرا بالفارين , والفرار من الزحف من الكبائر في الاسلام !
عن ابن عباس قال: (بعث رسول الله إلى خيبر أحسبه قال: أبا بكر فرجع منهزما ومن معه. فلما كان الغد بعث عمر فرجع منهزما يجبن أصحابه ويجبنه أصحابه . فقال النبي: لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه، ليس بفرار، فلما أصبح أرسل إلى علي بن أبي طالب ، وهو أرمد فقال : ما أبصر سهلا ولا جبلا، فقال: افتح عينيك، ففتحهما، فتفل فيهما. قال علي: فما رمدت حتى الساعة. ثم دفع إليه اللواء) ( مجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص 124 , صحيح البخاري ج4 ص 465 رقم الحديث 1155) تتجلىحكمة النبوة في إرسال ابوبكر أولا ثم أرسال عمر ثانية , كي يدرك الناس انهما غير آهلين للقيادة وانهما من الذين يفرون من الزحف, يقول النبي (ص) بعد ذلك في علي ( يفتح الله على يديه , ليس بفرار) ويعني هذا أن (أبوبكر وعمر) من الفارين, و علي غير ذلك , فتأمل .
معركة حنين
عن أبي قتادة الأنصاري، قال: (وانهزم المسلمون - يوم حنين - وانهزمت معهم، فإذا عمر بن الخطاب في الناس، فقلت له: ما شأن الناس؟ قال: أمر الله)(البداية والنهاية لابن كثير باب غزوة حنين ) وهذا يثبت هزيمة عمر وركضه مع الفارين وتعليله للهزيمة بأنها أمر الله وقدره.
لم تشهد لعمر كل معارك المسلمين بقتيل واحد سوى ما روي أنه قتل رجلا واحدا وشاركه في قتله رجل اخر , يروي ابن هشام في أن عمر بن الخطاب ويزيد بن عبدالله حليف لهم من بني تميم قتلا العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي في معركة بدر(سيرة ابن هشام ج3 ص 266 )! وهذا هو القتيل الوحيد الذي قتله عمر في كل حروب المسلمين, ولم يقتله لوحده كما روت الرواية ,وعلى ذلك اتفق المؤرخون.
الاغتيالات في عهد عمر مهدت لدولة بني أمية
ردد عمر أكثر من مرة بأنه إذا سيستخلف من بعده فأن أختياره سيكون على رجل من بين ثلاثة رجال فقط! أولئك الرجال الثلاثة هم : أبوعبيدة عامر بن الجراح, معاذ بن جبل, وسالم مولى أبي حذيفة . كان عمر يسمي أباعبيدة الجراح أمين الامة ويقول أن النبي سماه ذلك , أما في معاذ فكان عمر يقول (من أراد الفقه فليأت معاذا )( صحيح البخاري , باب مناقب الانصار رقم الحديث 3595), وهو قول يدعو للعجب فما كان معاذ أفقه من علي بن أبي طالب ولا أقدم أسلاماُ وهل أفلس الصحابة من علم الفقه ولم يبق سوى معاذ بن جبل ؟ أما مدحه لسالم مولى أبي حذيفة فقوله فيه :أنه شديد الحب لله!
يروي ابن الاثير : إن عمر بن الخطاب لما طعن قيل له: يا أمير المؤمنين لو استخلفت. فقال: لو كان أبو عبيدة حيا لاستخلفته وقلت لربي إن سألني: سمعت نبيك يقول: إنه أمين هذه الأمة ,ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لاستخلفته وقلت لربي أن نبيك قال أن سالما شديد الحب لله ).( الكامل لابن الاثير ج2 ,باب الشورى. طبقات ابن سعد ج 3 ص 343). وفي نص آخر يقول عمر (لو كان معاذ بن جبل حياً لوليته) ( سير اعلام النبلاء للذهبي, ترجمة معاذ. وورد مثله في مسند أحمد).
روى ابن شبة :(قال عمر:يا ابن عباس لو كان فيكم مثل أبي عبيدة بن الجراح لم أشْكُكْ في استخلافه لأني سمعت رسول الله يقَول: لكل أُمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح , لو كان فيكم مثل مُعَاذ بن جبل لم أشكك في استخلافه، لأني سمعت رسول اللّه يقول: معاذ بن جبل أعلم الأولين والآخرين ما خلا النبيين والمرسلين، يأْتي يوم القيامة بين يدي العلماء برتوة , لو كان فيكم مثل سالم مولى أبي حذيفة لم أشكك في استخلافه، لأني سمعت رسول الله يقول: سالم مولى أبي حذيفة آمَنَ وأحبَ الله فأحبه ولو كان ما يخاف اللّه ما عصاه.)( تاريخ المدينة المنورة لابن شبة, باب مقتل عمر)
ذكر الذهبي قول عمر في أبي عبيدة ومعاذ أيام طاعون عمواس في الشام :
(لما بلغ عمر بن الخطاب سرغ ( اسم منطقة) حُدثَّ أن بالشام وباء شديدا ، فقال : إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي ، استخلفته ، فإن سألني الله : لم استخلفته على أمة محمد ؟ قلت : إني سمعت رسول الله يقول : إن لكل أمة أمينا ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح . قال : فأنكر القوم ذلك ، وقالوا : ما بال علياء قريش ؟ يعنون بني فهر . ثم قال : وإن أدركني أجلي وقد توفي أبو عبيدة ، أستخلف معاذ بن جبل ، فإن سألني ربي ، قلت : إني سمعت نبيك يقول : إنه يحشر يوم القيامة بين يدي العلماء برتوة) ( سير أعلام النبلاء للذهبي, باب صحابة النبي , سيرة أبي عبيدة). تأمل تعجب القوم من قول عمر ثم يذكرونه بالنخبة من قريش ولكنه لايأبه لذلك. لم يذكر عمر سالماً في الحديث أعلاه لأن سالم مولى ابي حذيفة كان قد مات في حرب اليمامة. وردت أقوال عمر في الرجال الثلاثة في مصادر شتى لتواتر الخبر وانتشاره منها سير أعلام النبلاء للذهبي , مسند أحمد بن حنبل , طبقات ابن سعد , تاريخ الرسل والملوك للطبري , وتاريخ ابن الاثير وغيرها.
الذي يثير الانتباه هو لماذا هؤلاء الرجال وليس غيرهم ؟وصحابة النبي فيهم من فيهم ؟ ولا يجيب أهل العلم بجواب مقنع على سبب أختيار عمر لهؤلاء الثلاثة دون غيرهم, ولكن لامن مجيب! الجواب على ذلك يعودالى أيام ماقبل السقيفة وما قبل وفاة النبي محمد (ص)و المصدر التاريخي الاوحد الذي يجيب على هذا التساؤل هو أقدم كتاب كُتب في تاريخ الاسلام وهو كتاب سليم بن قيس الهلالي . مؤلف الكتاب سليم ولد قبل هجرة النبي (ص) بسنتين أي أنه عاصر في طفولته النبي (ص) وشاهد في شبابه وكهولته أحداثا كثيرة حتى توفي في سنة 78 هجرية في عهد حكومة بني أمية . أستعان جمع من المؤرخين بكتاب سليم في رواية أحداث مهمة كأحداث السقيفة ووقائع الملاحم والفتن في صدر الاسلام. لا يعترف جمهور السنة وفقائهم بكتاب سليم لحجة واحدة هي أن سليم كان متشيعاً لعلي بن أبي طالب ولبنيه ولآل بيته, ولا يوجد جواب مقنع على معرفة سر تشبث عمر بهؤلاء الثلاثة دون غيرهم الا ماذكره كتاب سليم الهلالي وأذا استطاع المحققون الاتيان بجواب من مصدر آخر فنّعمَّا ذلك , ولكن لاجواب!
يذكر سليم في كتابه يوم وفاة النبي (ص) وما جرى فيه فيروي حواراً بين سلمان الفارسي وبين علي بن أبي طالب ,وفي الحوار يأتي سلمان عليا ليخبره بما حصل في السقيفة ,وحينها كان علي مشغولاً بتجهيز النبي (ص) وغسله :
(قال سلمان الفارسي: فأخبرت علياً بن أبي طالب - وهو يغسل رسول الله (ص) بما صنع القوم، وقلت له : إن أبا بكر الساعة لعلى منبر رسول الله ، ما يرضون يبايعونه بيد واحدة وإنهم ليبايعونه بيديه جميعا بيمينه وشماله. فقال علي : يا سلمان، وهل تدري من أول من بايعه على منبر رسول الله (ص)؟
قلت: لا، إلا أني رأيته في ظلة بني ساعدة حين خصمت الأنصار، وكان أول من بايعه المغيرة بن شعبة ثم بشير بن سعيد ثم أبو عبيدة الجراح ثم عمر بن الخطاب ثم سالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل) ( كتاب سليم الهلالي المتوفي سنة 78 هجرية, ص 144).
تقدم في فصل السقيفة أن أول من بايع أبابكر هو بشير بن سعيد ثم أبوعبيدة ثم عمر بن الخطاب والاخرين من بعده وهو قول أهل الجمهور , وكذلك ذكر كتاب سليم الهلالي , فالثلاثة الذي تمنى عمر وجودهم كي يستخلفهم من بعده وهم ( أبوعبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل ) كانوا اوائل المبايعين للخليفة الاول ابوبكر بإتفاق المؤرخين.
وتقدم كذلك أن عليا لم يبايع (أبوبكر) يوم السقيفة وعلى ذلك اتفق المؤرخون وفي ذلك يروي كتاب سليم مايظهر ضلوع الرجال الثلاثة (ابوعبيدة, سالم, معاذ) في مؤامرة السقيفة وكما يلي في هذا الحديث بين الخليفة وعلي :
(فلما تخوف أبو بكر أن ينصره الناس وأن يمنعوه بادرهم فقال لعلي بن أبي طالب: كل ما قلت حق قد سمعناه بآذاننا وعرفناه ووعته قلوبنا، ولكن قد سمعت رسول الله يقول بعد هذا: (إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا، وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة)! فقال علي : هل أحد من أصحاب رسول الله (ص) شهد هذا معك؟ فقال عمر صدق خليفة رسول الله، قد سمعته منه كما قال, وقال أبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل: صدق، قد سمعنا ذلك من رسول الله .)( كتاب سليم ص 153). تأمل تعصب الرجال معاً وكأن بينهم اتفاقاُ سرياُ. ثم يستأنف علي ليبين أن هناك حقاُ تنظيم داخلي بين المسلمين وبعض رجاله هم الثلاثة الذي كان يذكرهم عمر في خلافته ويتمنى استخلافهم من بعده , يقول علي كما يروي الكتاب :
(فقال لهم علي : لقد وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي تعاقدتم عليها في الكعبة إن قتل الله محمدا أو مات لتزون هذا الأمر عنا أهل البيت!
فقال أبو بكر: فما علمك بذلك؟ ما أطلعناك عليها !فقال علي : أنت يا زبير وأنت يا سلمان وأنت يا أبا ذر وأنت يا مقداد، أسألكم بالله وبالإسلام، أما سمعتم رسول الله (ص) يقول ذلك وأنتم تسمعون: إن ابابكر وعمرا وأبا عبيدة ومعاذاً وسالماً قد كتبوا بينهم كتابا وتعاهدوا فيه وتعاقدوا أيمانا على ما صنعوا إن قتلت أو مت؟ فقالوا: اللهم نعم، قد سمعنا رسول الله (ص) يقول ذلك لك: إنهم قد تعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا، وكتبوا بينهم كتابا إن قتلت أو مت أن يتظاهروا عليك وأن يزووا عنك هذا يا علي! قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فما تأمرني إذا كان ذلك أن أفعل؟ فقال لك: إن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم ونابذهم، وإن أنت لم تجد أعوانا فبايع واحقن دمك فقال علي : أما والله، لو أن أولئك الأربعين رجلا الذين بايعوني وفوا لي لجاهدتكم في الله، ولكن أما والله لا ينالها أحد من عقبكما إلى يوم القيامة) ( عن كتاب سليم الهلالي , ص 154)
في الحوار أعلاه يتبين سبب تعصب الخمسة لنيل الخلافة وهم ( ابوبكر, عمر , أبوعبيدة, معاذ , وسالم ) وهذا هو سبب تشبث عمر بهم.
لقد تقول ابوبكر على النبي محمد (ص) مرة أخرى بعد وفاته فمرة زعم أن النبي كان قد قال (نحن الانبياء لانورث مانتركه صدقة) فحرم الزهراء بنت محمد وزوجها عليا وأولادهما من إرثهم كما تقدم ذكره في فصل السقيفة , وفي هذه المرة زعم كذلك أن النبي كان قد قال إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا، وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة. ونقول إذا كان النبي قد قال ذلك حقا فما بال علي لم يسمع به وهو الاولى من باقي الناس بسماع مايخصه في الخلافة والامامة وكيف يقول النبي حديثا مهما كهذا بخصوص أهل بيته وعائلته, وهم لم يسمعوا به وسمعه أبوبكر لوحده؟ .
نص الحوار الاتي بين عمر بن الخطاب وابن عباس يبين تزوير الخليفة أبوبكر في حديثه.
جرى بين عمر ايام خلافته وبين ابن عباس حوار نقلته كتب جمهور السنة وفيه يردد عمر نفس معنى كلام أبوبكر الذي زعم أبوبكر أن النبي قد قاله في حديث عندما قال لعلي أنه ( ابوبكر) سمع النبي يقول : (إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا، وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة),
لكن عمر لايذكر نص الحديث وانما يذكر المعنى ,فيروي في ذلك ابن الاثير :
(قال عمر : يا ابن عباس أتدري ما منع قومكم منهم بعد محمد ؟ فكرهت أن أجيبه فقلت: إن لم أكن أدري فإن أمير المؤمنين يدريني! فقال عمر: كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتبجحوا على قومكم بجحا بجحا فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت.فقلت: يا أمير المؤمنين إن تأذن لي في الكلام وتمط عني الغضب تكلمت. قال :تكلم.
قلت: أما قولك يا أمير المؤمنين: اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت فلو أن قريشا اختارت لأنفسها حين اختار الله لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود.
وأما قولك: إنهم أبوا أن تكون لنا النبوة والخلافة فإن الله عز وجل وصف قوما بالكراهة فقال: (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم) (محمد 9)
فقال عمر: هيهات والله يا ابن عباس قد كانت تبلغني عنك أشياء كنت أكره أن أقرك عليها فتزيل منزلتك مني.
فقلت: ما هي يا أمير المؤمنين فإن كانت حقا فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك وإن كنت باطلا فمثلي أماط الباطل عن نفسه.
فقال عمر: بلغني أنك تقول: إنما صرفوها عنك حسدا وبغيا وظلما.
فقلت: أما قولك يا أمير المؤمنين: ظلما فقد تبين للجاهل والحليم وأما قولك: حسدا فإن آدم حسد ونحن ولده المحسدون.
فقال عمر: هيهات هيهات! أبت والله قلوبكم يا بني هاشم إلا حسدا لا يزول.
فقلت: مهلا يا أمير المؤمنين لا تصف قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا بالحسد والغش فإن قلب رسول الله من قلوب بني هاشم.
فقال عمر: إليك عني يا ابن عباس.
فقلت: أفعل. فلما ذهبت لأقوم استحيا مني فقال: يا ابن عباس مكانك! فوالله إني لراع لحقك محب لما سرك.
فقلت: يا أمير المؤمنين إن لي عليك حقا وعلى كل مسلم فمن حفظه فحظه أصاب ومن أضاعه فحظه أخطأ.
ثم قام فمضى ( الكامل لابن الاثير ج2 , باب ذكر نسب عمر وصفته , ومثله في شرح النهج لابن ابي الحديد )
قول عمر أعلاه يبين إدعاء الخليفة الاول في أن النبي قال يوما : (إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا، وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة), وكان الشاهد حينها عمرا وابوعبيدة ومعاذا وسالما, كما ذكرهم كتاب سليم. ولو كان الحديث الذي قاله أبوبكر صحيحا لقاله عمر وتشبث به لكنه نسيه فعاد يقوله كفكرة من افكاره, وتحليلا من تحليلاته ثم تأمل قوله أن قريش هي التي كرهت ان تجمع لال محمد النبوة والخلافة معاُ وليس الله أمر بذلك كما أدعى أبوبكر من قبل في حديثه المزعوم, إن حجة عمر على ابن عباس هي نفس حجة أبي بكر على علي, لكن أبابكر صاغ قوله على شكل حديث نبوي . أن ترديد نفس الحجة على لسان عمر يدل على تآمر العصبة الخمسة فيما بينهم وأبرامهم أمراُ اتفقوا عليه في الخفاء ثم هيئوا حجتهم وأدعوا أنها حديث نبوي فشهد جميعهم لتصديقها !
لقد جمع الله النبوة والحكمة والكتاب والملك قبل ذلك لآل أبراهيم وهم أجداد آل محمد ؟ تقول الاية الكريمة ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد أتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة وأتيناهم مُلكاً عظيماً) ( النساء 54). لكن أبابكر وعمر وباقي الثلاثة من عصبة الخمسة كانوا قد أبرموا أمرهم .
من ترابط الادلة التاريخية التي تقدمت , يتبين بوضوح تحزب الخمسة ( أبو بكر وعمر وأبي عبيدة ومعاذ وسالم ) على نيل الخلافة, ويذكر كتاب سليم الهلالي أنهم كتبوا عهدهم في صحيفة وكاتب الصحيفة وحافظها هو أبوعبيدة بن الجراح وهذا يفسر لنا تسمية أبا عبيدة بأمين الامة ,فهو الامين على صحيفة العهد بين الخمسة.
يروى ان عمرا بن الخطاب قبل يد اباعبيدة يوما وجعلا يبكيان ! روي البيهقي في سننه واللفظ له :
(ولما أتى عمر الشام استقبله أبو عبيدة بن الجراح، وفاض إليه ألماً، فالتزمه عمر، وقبل يده، وجعلا يبكيان ) ( سنن البيهقي ج7 ص 101. وذكره الطبري في تاريخه ) ونقول أن عمر قبل اليد التي كتبت صحيفة العهد بين الخمسة , تلك الصحيفة التي أوصلت عمر بن الخطاب الى السلطة ,وبكاء الرجلين معاً مزيج من فرحة بالفوز و شعور بذنب عظيم ليس إلا !
اغتيال الخصوم المرشحين يعجل لبني أمية الاستحواذ على السلطة
علم أغلب الصحابة بل أجمعهم على تحزب هؤلاء الخمسة لنيل الخلافة, فمال الطامعون من الصحابة معهم أمثال المغيرة بن شعبة وبشير بن سعيد وأسيد بن حضير وغيرهم ورضي بواقع الحال من كان يبغض الامام علي بن أبي طالب لأحقاد جاهلية فكان تحزب الرجال عاملاً لابعاد الامام علي عن السلطة فارتضى الناس بما لائم مصالحهم وأحقادهم. وكذلك كان الحال للذين كرهوا النبي ولكن أسلموا خوفاً كالطلقاء وغيرهم ممن غرتهم الدنيا بزخرفها وغرتهم أموال الفتوحات و لائمهم الوضع الجديد بأبعاد علياً عن منصبه ,فركبوا مع موجة الفائزين بالحكم. بقيت عصبة قليلة وفية لعهد النبي (ص) وهم أمير المؤمنين علي وأنصاره القلائل كأبي ذر وعمار والمقداد فعاشوا على هامش دولة الخلافة. كانت العقبة الرئيسية أمام بني أمية هي التخلص من أصحاب صحيفة المؤامرة حتى لايكون خيار أمام عمر سوى أختيار مرشحين جدد للخلافة. أما سالم مولى ابي حذيفة فكان قد قُتل في حرب اليمامة في عهد الخليفة الاول أبوبكر, وبقي إثنان وهم أبوعبيدة الجراح ومعاذ بن جبل . إن التخلص من هاذين الاثنين بتم بخطة لاتخطر على بال أحد ,وليس بعيداً في ذلك تدخل اليهود بالتعاون مع بني أمية مثلما تحالف اليهود مع أبي سفيان الاموي من قبل في عهد النبي.
لم تكن تصفية أباعبيدة ومعاذا بشئ جديد في عهد عمر , فقد قتل المعارض للسقيفة سعد بن عبادة الانصاري في عهد عمر وهو في الشام على يد رجل الاغتيالات الاول في عهد عمر وهو محمد بن مسلمة وقُيد الاغتيال ضد مجهول ( الاصابة للعسقلاني ج3 ص 384, أسد الغابة لابن الاثير ج5 ص 112)( ستأتي سيرة محمد بن مسلمة في فصل دور اليهود). ومات الخليفة الاول أبوبكر مسموماً ومات طبيبه بنفس السم وبقيت القضية غامضة ضد مجهول. لقد كتب عثمان الاموي وصية ابي بكر لعمر بيده وكان أبوبكر حينها في غيبوبة الموت ,فمن ياترى المستفيد من ذلك؟ المستفيد الاول هو الخليفة الثاني عمر بطبيعة الحال فهو نال الخلافة بموت الخليفة الاول, والمستفيد الخفي كان ممثل بني أمية وهو عثمان بن عفان وهو كاتب وصية ابي بكر والخليفة في غيبوبة الموت كما تقدم في فصل ( أبوبكر) . يقينا كان لعثمان دورا في اغتيال الخليفة الاول ونال ثمرة ذلك بأن صار الخليفة الثالث بعد عمر كما سيأتي . إن عقبة الوصول للحكم امام عثمان وأمام أنصاره من بني أمية كانت هي وجود الرجلين الذين لم يفتأ عمر يردد اسميهما وهما أبوعبيدة عامر بن الجراح ومعاذ بن جبل, وعلم بنو أمية أن نيل الخلافة بتواجد هاذين الرجلين ستكون مهمة صعبة ,فكان لزاماً أزاحتهما عن منصب الخلافة المرتقب بالموت, مثلما أزاحوا الخليفة الاول عن منصبه بالموت , وكما سيزيحون عمر بن الخطاب نفسه بعد ذلك.
استحدث المتآمرون نصاً شرعياً أوجب به موت الرجلين . لنقرأ نتفا من التاريخ بعين متفحصة لتتكشف الحقيقة المذهلة ! ذكر الطبري دخول عمر الى الشام :
(وقد كان عمر خرج غازيا، وخرج معه المهاجرون والأنصار. وأوعب الناس معه، حتى إذا نزل بسرغ، لقيه أمراء الأجناد: أبو عبيدة ابن الجراح، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة؛ فأخبروه أن الأرض سقيمة ( الارض سقيمة تعني انه قد نزل فيها مرض الطاعون)، فقال عمر: اجمع إلى المهاجرين الأولين، قال: فجمعنهم له، فاستشارهم، فاختلفوا عليه، فمنهم القائل: خرجت لوجه تريد فيه الله وما عنده، ولا نرى أن يصدك عن بلاء عرض لك. ومنهم القائل: إنه لبلاء وفناء ما نرى أن تقدم عليه؛ فلما اختلفوا عليه قال: قوموا عنى، ثم قال: اجمع لي مهاجرة الأنصار، فجمعتهم له، فاستشارهم فسلكوا طريق المهاجرين، فكأنما سمعوا ما قالوا فقالوا مثله. فلما اختلفوا عليه قال: قوموا عنى، ثم قال: اجمع لي مهاجرة الفتح من قريش،فجمعتهم له، فاستشارهم فلم يختلف عليه منهم اثنان، وقالوا: ارجع بالناس، فإنه بلاء وفناء. قال: فقال لي عمر: يابن عباس، اصرخ في الناس فقل: إن أمير المؤمنين يقول لكم أني مصبح على ظهر ( يعني سيركب دابته راحلاً)، فأصبحوا عليه, قال: فأصبح عمر على ظهر، وأصبح الناس عليه، فلما اجتمعوا عليه قال: أيها الناس؛ إني راجع فارجعوا، فقال له أبو عبيدة بن الجراح: أفرارا من قدر الله! قال: نعم فرارا من قدر الله إلى قدر الله؛ أرأيت لو أن رجلا هبط واديا له عدوتان: إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليس يرعى من رعى الجدبة بقدر الله، ويرعى من رعى الخصبة بقدر الله! ثم قال: لو غيرك يقول هذا يا أبو عبيدة! ثم خلا به بناحية دون الناس؛ فبينا الناس على ذلك إذ أتى عبد الرحمن بن عوف - وكان مخلفا عن الناس لم يشهدهم بالأمس - فقال: ما شأن الناس؟ فأخبر الخبر، فقال: عندي من هذا علم، فقال عمر: فأنت عندنا الأمين المصدق، فماذا عندك؟ قال: سمعت رسول الله يقول: ( إذا سمعتم بهذا الوباء ببلد فلا تقدموا عليه، وإذا وقع وأنتم به فلا تخرجوا فرارا منه ) , ولا يخرجنكم إلا ذلك، فقال عمر: فلله الحمد! انصرفوا أيها الناس، فانصرف بهم. ( تاريخ الطبري , باب خروج عمر بن الخطاب الى الشام ج2 ص 337, وأكد قوة الراوية ابن الاثير بقوله : (وهذه الرواية أصح فإنّ البخاري ومسلماً أخرجاها في صحيحيهما). (الكامل في التاريخ لابن الاثير ج2 أحداث سنة 17 هجرية).
الرواية اعلاه تحكي إصابة المسلمين بمرض الطاعون في الشام واحتار عمر فيما يفعل, فأستشار الصحابة المقربين من المهاجرين والانصار فلم يجد جواباً عند أحد, ثم قال بعضهم أنه بلاء وفناء فقرر العودة بمن معه خوفاُ من الاصابة بالمرض. ثم يختلي عمر بأبي عبيدة دون الناس ويتحادثان بأسرار لايعرفها غيرهما . ثم يأتي الصحابي عبد الرحمن بن عوف الى جمع الناس هنالك ليقول أنه حفظ حديثا من النبي (ص) يقول فيه ( أذا سمعتم بهذا الوباء ببلد فلا تقدموا عليه, وإذا وقع وأنتم به فلاتخرجوا منه). وهو حديث لم يسمع به رجل مسلم من قبل, فجميع الصحابة الذين استشارهم عمر لم يأتي أحدهم بشئ ولكن بعد أن يقرر عمر العودة بمن معه خوف العدوى يأتي عبد الرحمن بن عوف بالحديث! إن عمر قرر العودة وأحتاج الى من (يشرعن) قراره فكان الوفي لعمر هو عبد الرحمن بن عوف جاهزاً بحديث للنبي لم يسمعه أحد من قبل, وتأمل قول عمر له : (أنت عندنا الأمين المصدق ), فهو علم أن ماسيقوله عبد الرحمن بن عوف سيقوي عذر عمر بالهرب من مكان الطاعون , إن عمر الذي يقول في عبد الرحمن بن عوف أنه الامين المصدق في هذه الحادثة يطلق عليه لقب فرعون قريش في حادثة أخرى بقوله (وما يمنعني منك يا عبد الرحمن إلا أنك فرعون هذه الامة.) ( الامامة والسياسة للدينوري ج1 ص 29)! فيا للعجب لتغير الحال والاحوال وفق المصالح والأهواء.
الوضع في حديث عبد الرحمن واضح, فليس هناك حديثا لم يسمعه غير رجل واحد وبالأخص حديث يتعلق بموت أو حياة , بعد سماع عمر للحديث أمام الناس يخرج من تلك المنطقة مع أصحابه ويتركوا جيش أبي عبيدة وفيه أبو عبيدة نفسه ومعه معاذ بن جبل وغيرهم. رب قائل سيقول أن ما فعله عمر هو عين الصواب فقد فر من شر عدوى مرض الطاعون! لكن لماذا لم يفر أبوعبيدة وأصحابه كذلك؟ سيقول قائل لأنهم أصلا قد اصابهم المرض فهم فضلوا البقاء لسماعهم حديث النبي الذي أتى به عبد الرحمن بن عوف! ونقول اذا كان عمر وجيشه ومن معه كأبن عوف وغيره فروا من المكان خوف العدوى فلماذا قابلوا المصابين بالمرض كأبي عبيدة وغيره وتخالطوا معهم بل خيموا هناك أكثر من ليلة , حتى أن عمر أختلى مع أبي عبيدة يحادثه كما تروي الرواية فإذا كان أبوعبيدة قد أصيب فحتما عمر ومع معه قد اصيبوا أيضاً . الرواية تكشف مؤامرة أجبر فيها عمر صاحبه أباعبيدة ومعاذا وشرحبيلا بن حسنة بالبقاء في مدينة الموت حتى يموتوا ,وكأنه أعدام بمرسوم الحكومة لم يجد الرجال سوى تنفيذه , وأستطاع عبد الرحمن بن عوف تقنين ذلك بحديث نبوي أنفرد بروايته حتى لايجد أحد محيصا سوى البقاء في انتظار الموت. العجيب في الحادثة أن عمرا ومن معه كانوا هناك أيضا لكنهم خرجوا وعادوا بسلام الى دار الخلافة في المدينة, والاعجب منه أن عمراً لم يمانع من خروج الجيش برجاله من مدينة الطاعون بعد أن أتاه نبأ وفاة أبي عبيدة ومعاذ وغيره, بينما كان آمراً لهم بالبقاء في مدينة الطاعون حتى أشعار آخر. ذكر الطبري وغيره أنه بعد موت أبي عبيدة بالطاعون صار معاذ بن جبل خليفة على الجيش منتظرا دوره في الموت فلما مات معاذ بن جبل بالطاعون أيضا صار عمرو بن العاص قائداً على الجيش وبدلا أن ينتظر عمرو بن العاص دوره بالموت فإنه قام خطيبا على الجيش :
( فقام خطيبا في الناس، فقال: أيها الناس، إن هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار، فتجبلوا منه في الجبال. فقال أبو وائلة الهذلي: كذبت؛ والله لقد صحبتُ رسول الله وأنت شرٌ من حماري هذا! قال عمرو بن العاص: والله ما أرد عليك ما تقول، وايم الله لا نقيم عليه. ثم خرج وخرج الناس فتفرقوا، ورفعه الله عنهم. قال: فبلغ ذلك عمر بن الخطاب من رأى عمرو بن العاص، فوالله ما كرهه.) ( تاريخ الطبري, ج6 , طاعون عمواس ص 339). تأمل أن عمر بن الخطاب لم يأبه لما فعل عمرو بن العاص ولم يعارضه على مافعل, لأن مهمة تصفية أباعبيدة ومعاذا وغيره قد تمت, ولهذا لم يعتب أو يعاقب عمرو بن العاص على مخالفته لأمره المعضد بحديث عبد الرحمن بن عوف المزعوم. خرج عمرو بن العاص بالجيش من مكان الطاعون ولم يشمله حديث ابن عوف ولم تشمله أوامر عمر فالمهمة أنتهت!
ويروي الطبري (ثم دخلت سنة ثماني عشرة؛ ففيها كان طاعون عمواس، فتفانى فيها الناس، فتوفى أبو عبيدة ابن الجراح؛ وهو أمير الناس، ومعاذ بن جبل، ويزيد بن أبي سفيان، والحارث ابن هشام، وسهيل بن عمرو، وعتبة بن سهيل، وأشراف الناس.). ( تاريخ الرسل للطبري, ج 2, أحداث سنة ثماني عشرة, وفي طبعة الانترنيت ج6 ص 339). ويروي في ذلك اليعقوبي : (وكثر الطاعون بالشام، وكان طاعون عمواس، فمات أبو عبيدة بن الجراح، واستخلف عياض بن غنم على حمص، وما والاها من قنسرين، ومعاذ بن جبل على الأردن، ولم يلبث معاذ بن جبل إلا أياماً حتى توفي، ومات يزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة، فأقر عمر معاوية على عمل يزيد)( تاريخ اليعقوبي ج1 ص 165) .
بعد وفاة والي الشام يزيد بن أبي سفيان بالطاعون قام عمر بتعيين أخيه الطامع في الملك معاوية بن أبي سفيان على بلاد الشام, وكان ذلك بداية التمهيد لمملكة بني أمية فمن صالح الملك المترقب قدوم مملكته وهو معاوية بن أبي سفيان أن يموت أخيه يزيد كذلك! ولا عجب في ذلك فما أكثر حوادث التاريخ تلك التي قتل فيها الاخ أخيه ,أو قتل الاب أبنه ,أو قتل الابن أبيه في سبيل الملك والحكم . وذلك عين ماحصل , حيث استفاد معاوية الشاب -الذي كان في عشريناته على اغلب الروايات- آنذاك من موت أخيه يزيد بالطاعون فنال ولاية الشام ليجهزه عمر بن الخطاب بعد ذلك للملك كما سيأتي ذكره. بعد موت أبي عبيدة ومعاذ بن جبل لم يعد هناك من يرضى به عمر كخليفة من بعده, فكان المرشح الجديد لنيل منصب الخلافة هو عثمان بن عفان الأموي وتلك بداية حكم بني أمية, وحلم بنيل الخلافة من بعد عثمان, المدعو عبد الرحمن بن عوف الزهري رواي حديث الطاعون المرعب الذي استحل به موت أبا عبيدة ومعاذا ويزيد بن أبي سفيان فنال بذلك منصبا كبيرا في عهد عمر . بعد هلاك أبي عبيدة ومعاذ وغيرهما يصبح عبد الرحمن بن عوف راوي حديث النبي المزعوم بخصوص مرض الطاعون الامين على مجلس شورى عمر, ثم يصبح المرشح القادم بعد عثمان , وفي عهد عثمان صار عبد الرحمن بن عوف الزهري مليونير المسلمين, لقد كان حديث الطاعون الذي رواه عبد الرحمن بن عوف و زعم أن النبي قاله ولم يسمعه غيره , هو ورقة الضغط على أبي عبيدة ومعاذ وغيره من قبل عمر بن الخطاب. إن حلم عبد الرحمن بالخلافة بعد عثمان لم يتحقق فآلة الاغتيالات الاموية التي أطاحب بالخليفة الاول أبوبكر وتخلصت من أبي عبيدة الجراح ومعاذ لم تكن لتترك عبد الرحمن بن عوف الزهري فمات في عهد عثمان , وسيأتي تفصيل ذلك في فصل (عثمان) .
إن الاغتيالات والتصفيات في عهد عمر لم تكن بالشئ النادر فقد قامت حكومة عمر بالتخلص من أنصار حكومة الخليفة الاول أبي بكر . فعزل عمر المثنى بن حارثة الشيباني قائد جيوش العراق في عهد أبي بكر ثم يموت المثنى في معركة الجسر بالعراق. وقام عمر كذلك بعزل خالد بن الوليد الذي كان على جيوش الشام وعين محله أبوعبيدة عامر بن الجراح وقد مر بنا ذلك, ثم يموت خالد بن الوليد على فراشه من دون جرح أو مرض , ويموت بعد ذلك أبوعبيدة الجراح ويموت معاذ وغيره . لقد لحق الموت أنصار حكومة أبي بكر ومنهم بلال الحبشي الذي كان في بلاد الشام في عهد عمر . لقد تمت تصفية بلال واعوانه في بلاد الشام ولم يأت المؤرخون وأصحاب التراجم والسير بسبب منطقي واحد لموت بلال الحبشي ! روي العسقلاني في ترجمة بلال الحبشي :
(قال البخاري مات بالشام زمن عمر وقال بن بكير مات في طاعون عمواس وقال عمرو بن علي مات سنة عشرين وقال بن زبر مات بداريا وفي المعرفة لابن منده ,وأنه دفن بحلب.)( الاصابة للعسقلاني, ترجمة بلال) . تأمل أن العسقلاني نفسه لايذكر سبب موت بلال بل يذكر احتمالات سبب موته, أما أحمد بن حنبل فيذكر تفسيرا آخر لموت بلال فهو يقول :(أصاب الناس فتحا بالشام فيهم بلال واظنه ذكر معاذ بن جبل فكتبوا الى عمر بن الخطاب أن هذا الفئ الذي أصبنا لك خمسه, ولنا مابقي ليس لاحد فيه شئ كما صنع رسول الله بحنين و فكتب عمر : إنه ليس على ما قلتم و ولكن أقفها للمسلمين, فراجعوه الكتاب وراجعهم , يأبون ويأبى , فلما أبوا قام عمر فدعا عليهم فقال : اللهم أكفني بلالا واصحاب بلال , فما حال الحول عليهم حتى ماتوا جميعا)( فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل, باب فضائل عمر رقم الرواية 358 )
وهكذا ببساطة يؤول ابن حنبل موت بلال بأنه نتيجة دعوة عمر الخالصة تلك الدعوى التي أزهقت روح بلال من على بعد مئات الاميال . ويذكر ابن تيمية نفس التعليل فيقول :
(وقد كان عمر دعا بدعوات أجيب فيها من ذلك أنه لما نازعه بلال وطائفة معه في القسمة قسمة الأرض فقال اللهم اكفني بلالا وذويه فما حال الحول ومنهم عين تطرف) ( منهاج السنة لابن تيمية ج 7 ص 140). تأمل تعطيل العقول عند السلف من وعاظ السلاطين, فهم يتركون أمر مقتل الرجل وأعوانه لدعوة الخليفة !
علق العلامة الطائي في موت هؤلاء في عهد عمر فكتب: (كان معاوية بن أبي سفيان (والي عمر على الشام) ينفذ دعاء عمر بن الخطاب على الأرض، وقدرة معاوية على اغتيال المعارضين لا يجاريها أحد) ( كتاب أغتيال أبي بكر ص 68 للمحقق الدكتور نجاح الطائي).
لقد استطاع معاوية بدهاءه أن يُمكن وصول عثمان بن عفان الى سدة الخلافة بعد مقتل عمر , وفي عهد عمر تمت تصفية كل المرشحين الذين كان عمر يردد اسمائهم . فمات أبوعبيدة ومعاذ ويزيد بحجة مرض الطاعون, ومات شرحبيل بن حسنة من قواد فتوح الشام بظروف غامضة فبعض المؤرخين يورد موته في الطاعون وبعضهم يورد موته مع بلال الذي أصابته دعوة الخليفة فمات بقوة الدعاء من بُعد! ومات خالد بن الوليد بعد عزله عن جيوش الشام مباشرة من دون مرض أو عاهة, ومات المثنى بن حارثة الشيباني قائد جيوش دولة أبي بكر في العراق بعد عزله من قبل الخليفة عمر . لقد كانت يد بني أمية الملطخة بدماء المسلمين الاوائل تعمل دائبة في سبيل الوصول للحكم حتى نال عثمان بن عفان الاموي الحكم والخلافة, وعملاء معاوية بن أبي سفيان المخلصين كانوا يعملون بتحرك خفي لنيل هدف بني أمية ,فالمغيرة بن شعبة الغادر سعى بحيله للتخلص من عمر بن الخطاب نفسه قبل ذلك للتعجيل بعثمان الاموي للحصول على كرسي الخلافة -وسيأتي تفصيل ذلك -,كان المغيرة من أخلص الناس لمعاوية بن أبي سفيان مثله مثل عمرو بن العاص وعثمان بن عفان وغيرهم .
مسألة الشورى والانتخاب الذي صنعه عمر قبل وفاته
بابتداع غريب يتوصل عمر الى نظرية عجيبة في نظام الحكم , حيث جعل الخلافة لمن بعده في ستة اشخاص وهم ( عبدالرحمن بن عوف, الزبير بن العوام, طلحة بن عبيد الله, عثمان بن عفان , علي بن أبي طالب, سعد بن أبي وقاص) . لماذا تم الاختيار على ستة اشخاص وليس لسبعة أو خمسة أو عشرة فما أكثر الصحابة الاخيار؟ العدد ستة يبدو غريبا ولكن الغرابة تزول عند معرفة سبب اختيار عمر لهؤلاء الستة بالتحديد. لقد أوصى عمر في ساعاته الاخيرة وقبيل موته فجعل شرط الخلافة والكلمة الاخيرة لعبد الرحمن بن عوف الزهري رواي حديث الطاعون , كما وضع شرطا أخرا وهو العمل بسيرته (عمر) وسيرة ابوبكر الخليفة الاول وسيرة النبي (ص), واذن لن يتم انتخاب من يقول بعمل سيرة النبي محمد(ص) فقط ؟ ونقول لو كان عمار بن ياسر وابوذر وجابر بن عبد الله والمقداد وحذيفة بن اليمان وسلمان الفارسي وغيرهم مع هؤلاء الستة لرجحت كف علي بن أبي طالب ولاصبح خليفة المسلمين, ولكن في نفس عمر أمورا أخرى , لقد عرف عمر مسبقا من سيكون الخليفة من بين الستة الذين عينهم, وكما سيتبين من السطور الاتية !
قال عمر مبينا طريقته العجيبة : (ان رجـالا يـقـولـون ان بيعة ابي بكر فلتة وقى اللّه شرها, وان بيعة عمر كانت من غير مشورة والامر بعدي شورى , فاذا اجتمع رأي اربعة فليتبع الاثنان الاربعة , واذا اجتمع رأي ثلاثة وثلاثة فـاتـبـعوا راي عبد الرحمن بن عوف فاسمعوه واطيعوا, وان صفق عبد الرحمن باحدى يديه على الاخرى فاتبعوه .)( انساب الاشراف للبلاذري ج5 ص15). وفي رواية ثانية يقول عمر : (ان ضرب عبد الرحمن بن عوف احدى يديه على الاخرى فبايعوه ) ( كنز العمال ج3 ص160). يبدو جلياً ان الخليفة كان قد جعل امر الترشيح بيد عبد الرحمن ابن عوف راوي حديث الطاعون , فليس هناك اذن شورى بين ستة كما يبدو ,وبيَّت عمر مع عبد الرحمن بن عوف ان يـُشـتـرط في البيعة العمل بسيرة ابوبكر وسيرته , وجماعة الشورى يعلمون وعمر يعلم ان الامام علي ابن أبي طالب يابى ان يجعل العمل بسيرة ابوبكر وعمر في عداد العمل بكتاب اللّه وسنة رسوله (ص ) وان عثمان سيوافق على ذلك , فيبايع لعثمان بالخلافة . ولاندري هل اصبح العمل بسيرة ابوبكر وعمر أولى من العمل بسيرة النبي محمد نفسه؟ لكن الامر يبدو لنا كذلك فقد صارت سيرة أبوبكر وعمر جزءا من هذا الدين على الرغم من تغييرهما لكثير من الامور كما مر . عند البيعة يقول عبد الرحمن بن عوف لعلي بن أبي طالب: (يا عليّ ! هل أنت مُبايِعي على كتاب الله وسنّة نبيّه وفعلِ أبي بكر وعمر؟ فقال علي : كتاب الله وسنّة نبيّه، فنَعَم، أما سيرة ابوبكر وعمر فلا!.)( البداية والنهاية لابن كثير ج10 ص212). كيف يرضى علي بن أبي طالب بالعمل بسيرة ابوبكر وعمر وهما فعلا مافعلا من تغيير في السنة فقبول البيعة بذلك تعني القبول بالتحريف الذي صار في عهد أبوبكر وعمر, وهذا ما أباه علي ورفضه وهو تماما ما كان يعلمه عمر بن الخطاب وعلمه الخمسة الباقون من عصبة الشورى. روى الطبري في عبد الرحمن رئيس مجلس الشورى (ودعا عليا، فقال: عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده؟ قال: أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي؛ ودعا عثمان فقال له مثل ما قال لعلي، قال عثمان: نعم، فبايعه، فقال علي: حبوته حبو دهر؛ ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا؛ فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون؛ والله ما وليت عثمان إلا ليرد الأمر إليك؛ والله كل يوم هو في شأن؛ فقال عبد الرحمن: يا علي لا تجعل على نفسك سبيلا؛ فإني قد نظرت وشاورت الناس؛ فإذا هم لا يعدلون بعثمان. فخرج علي وهو يقول: سيبلغ الكتاب أجله)( تاريخ الطبري , ج6 ص 115,باب انتخاب عثمان)
في الرواية الاتية من كتاب الطبقات لابن سعد يتبين أن عمر بن الخطاب كان قد بيت انتخاب عثمان بن عفان قبل استحداث الشورى ! جاء سعيد بن العاص الى الخليفة عمر يستزيده في الارض ليوسع داره , فوعده الخليفة بعد صلاة الغداة وذهب معه حينئذ الى داره قال سعيد : (فـزادنـي وخط لي برجليه , فقلت : يا امير المؤمنين زدني فانه نبتت لي نابتة من ولد واهل فقال : حسبك واختبئ عندك انه سيلي الامر من بعدي من يصل رحمك ويقضي حاجتك قال : فمكثت خلافة عمر بن الخطاب حتى استخلف عثمان واخذها عن شورى ورضى فوصلني واحسن وقضى حاجتي واشركني في امانته ) . ليس كذلك فقط, ولكن سعيد بن العاص الاموي هذا يصبح والي الكوفة في عهد قريبه عثمان بن عفان الأموي! فتأمل .
اذن الـخليفة عمر كان قد انبا سعيد بن العاص انه سيلي بعده ذو رحم سعيد وهو عثمان حيث عثمان قريب سعيد بن العاص ,وطلب منه ان يـخبئ الامر عنده , ويتضح من هذه المحاورة ان امر تولية عثمان الخلافة كان قد بُت فيه في حياة الخليفة عمر, وتعيين الستة في الشورى كان من اجل تمرير هذا الامر بصورة تبدو مرضية لدى الجميع . ( عن طبقات الصحابة لابن سعد ترجمة سعيد بن العاص , وتحليل الحادثة منقول بتصرف عن كتاب معالم المدرستين للعلامة مرتضى للعسكري ) .ووصى عمر عثمانا بقوله: (إن وليت هذا الأمر فاتق الله ولا تحمل آل أبي معيط على رقاب الناس )(طبقات ابن سعد ج3 ص 247, أنساب الاشراف للبلاذري ج5 ص 16 , الرياض النضرة للمحب الطبري ج2 ص 76.) ويؤيد هذه الرواية قول علي وطلحة والزبير لعثمان بن عفان لما ولى الوليد بن عقبة على الكوفة فقالوا له: ألم يوصك عمر ألا تحمل آل أبي معيط وبني أمية على رقاب الناس؟ فلم يجبهم بشئ.( أنساب الاشراف للبلاذري ج 5 ص 30), فكيف يوصي عمر وهو مات مطعوناً قبل تولي عثمان الخلافة؟ الحقيقة أن عمرا هيأ عثمان للخلافة قبل رحيله بزمن ثم أستحدث قصة الشورى, وفي اليوم الاخير لحياة عمر بن الخطاب وفيها جاء: ( حين طعن عمر أوصى النفر الخمسة قولا ثم مال برأسه إلى عبد الله( ابنه) وهو مسند ظهره إلى صدره وقال: إن يولوا عثمان يصيبوا خيرهم)( تاريخ المدينة المنورة لابن شبَّة ج ص 148 ), فأين الشورى يا أهل الشورى ؟ وأين مصطلح أهل الحل والعقد الذي يردده مجملوا التاريخ؟
صاحب الكلمة الاخيرة في مسرحية الشورى هو عبد الرحمن بن عوف رواي حديث الطاعون المزعوم وهو صهر عثمان بن عفان فقد كان متزوجا من أخته, أما سعد بن أبي وقاص فهو ابن عم عبد الرحمن بن عوف وهو ما يبينه قول الامام علي لابن عباس في حديثه عن الشورى حيث يقول علي : ( ان سعدا لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن, وعبد الرحمن نظير عثمان وصهره فاحدهما لا يخالف صاحبه لا محالة , وان كان الزبير وطلحة معي فلن انتفع بذلك اذ كان ابن عوف في الثلاثة الاخرين)( معالم المدرستين للعلامة العسكري ج1 ص 139, وعن أنساب الاشراف للبلاذري ج5 ص 19, ومثله في شرح ابن أبي الحديد باب الخطبة الشقشقية). كان سعد بن أبي وقاص في عهد عمر واليا على الكوفة فقام عمر بعزله عن ولاية الكوفة وجعل محله المغيرة بن شعبة, ولم يكن عزله الا تحضيرا لانتخاب عثمان ,فبعد عزله امره عمر بن الخطاب أن يأتي الى المدينة ليقيم فيها ووعده بأن الخليفة من بعده سيعطيه منصبا كبيراً! وحقق الخليفة من بعد عمر ذلك, فقد اعاد عثمان ولاية الكوفة الى سعد بن أبي وقاص كما خطط له عمر, روى ابن الاثير:
(ذكر عزل المغيرة عن الكوفة وولاية سعد بن أبي وقاص ,وفيها عزل عثمان المغيرة بن شعبة عن الكوفة واستعمل سعد بن أبي وقاص عليها بوصية عمر فإنه قال: أوصي الخليفة بعدي أن يستعمل سعدا فإني لم أعزله عن سوء ولا خيانة فكان أول عامل بعثه عثمان فعمل عليها سعد سنة ) ( الكامل لابن الاثير , ج 2 احداث سنة24, تاريخ الطبري ج6 ص121). تأمل أن الخليفة عمر هو الذي عزله أولا حتى يأتي به ليقيم في المدينة كي يكون في جماعة الشورى الستة ! إن المدينة كانت مقام خيرة الصحابة أمثال أبوذر الغفاري والمقداد وسلمان الفارسي وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وغيرهم من المسلمين الاوائل لكن عمر يختار سعد لسبب في نفسه. النص أعلاه يبين أن عمر بن الخطاب عزل سعد عن أمارة الكوفة وجعل عليها المغيرة بن شعبة لسبب مهم , ولذلك يوصي عمر في وصيته للخليفة من بعده ( أوصي الخليفة من بعدي أن يستعمل سعداً فإني لم أعزله عن سوء ولاخيانة) , وقول عمر هذا يدل على أن سعداً سيتولى منصبا في المستقبل . ونقول أذا كان عمر لم يعزل سعدا عن سوء ولا خيانة فلماذا لم يهبه منصبا في عهده ؟ السبب هو أن عمرا أحتاج لرجل يعتمد عليه في أنتخاب عثمان من بعده فأتى بسعد من الكوفة وجعله يقيم في المدينة بعد عزله ,وعده أن الخليفة من بعده سيعطيه منصبا من بعده وهذا يعني أن سعدا لن يكون الخليفة القادم , إذن جعله في مجلس الشورى لن يكتب له أن يكون خليفة فهو مجرد صوت لعثمان بن عفان بن ابي العاص الاموي. إذن الاتيان بسعد من الكوفة لم يكن ألا لترجيح كفة عثمان في الشورى وبعد تلك الوعود سينتخب سعد الخليفة الذي سيعطيه منصبا كما وعده عمر ,وبذلك ضمن عثمان صوتا لصالحه في مجلس الشورى الصوري ليتفوق على علي بن أبي طالب . فالاتيان بسعد بن أبي وقاص من الكوفة وجعله في منصب الشورى السداسي دليل على تخطيط قام به عمر بالتعاون مع عثمان كي ينال ترجيح الاصوات وهذا ماتم . ومن الطريف أن عثمان بن عفان لم يفي بوعده لعمر بن الخطاب الميت الا لفترة قصيرة ,حيث أعاد سعدا بن أبي وقاص على الكوفة حسب تخطيط عمر, وما أن أستتبت الامور لعثمان حتى عزل سعدا بن أبي وقاص عن الكوفة وعين محله الوليد بن عقبة بن معيط الفاسق بنص القرآن الكريم وهو أخو عثمان لأمه , روى ابن الاثير:
(في هذه السنة عزل عثمان بن عفان سعد بن أبي وقاص عن الكوفة في قول بعضهم واستعمل الوليد بن عقبة بن أبي معيط وأسم أبي معيط أبان بن أبي عمرو واسمه ذكوان بن أمية بن عبد شمس وهو أخو عثمان لأمه) ( الكامل لابن الاثير ج2 باب عزل سعد بن أبي وقاص)
وهكذا لم يكن سعد بن أبي وقاص سوى صوت أستفاد منه عمر لانتخاب عثمان فلما أنتهت الغاية من ذلك عزله عثمان بن عفان مرة ثانية ولم يوله أي منصب, وأثار هذا حفيظة سعد بعد خسارته فندم وجعل يروي الاحاديث النبوية في مدح الامام علي بن أبي طالب في آخريات عمره ولكن بعد فوات الاوان, وستأتي سيرة سعد في فصل ( أعداء النبي).
نعود الى حبكة جماعة الشورى الستة لنرى كيف تم اختيار الخليفة المرتقب:
لقد مال عبد الرحمن بن عوف لصهره عثمان وأختاره وفق الخطة المرسومة مسبقاً فصار عثمان الخليفة. وقال علي بن ابي طالب لعبد الرحمن بن عوف لما بايع عثمان في اليوم الثالث : (حـبـوته حبوة دهر, ليس هذا اول يوم تظاهرتم فيه علينا, فصبر جميل واللّه المستعان على ما تـصـفون واللّه ما وليت عثمان الا ليرد الامر اليك , واللّه كل يوم في شان) (تاريخ الطبري ج3 ص 297, الكامل لابن الاثير ج3 ص 37 , العقد الفريد ج3 ص 76 ) هذا النص يبين ظلامة علي بن أبي طالب ويبين المؤامرة التي حيكت لابعاده عن السلطة بشتى الوسائل . في رواية أخرى يقول الامام علي لعبدالرحمن بن عوف بعد أن صفق عبدالرحمن يده على يد عثمان وبايعه للخلافة : ( أيهاً عنك إنما آثرته بها لتنالها بعده، دق الله بينكما عطر منشم)( شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج9) ومنشم اسم أمرأة بمكة كانت عطارة وهي من خزاعة يضرب بها المثل لان قومها ادخلوا أيديهم في عطر لها قبل القتال وبفعلهم ذلك كثر القتل فيما بينهم فعزوا ذلك القتل الى العطر شؤما, فكان يقال ( أشأم من عطر منشم) , وهذا ماحصل بعد ذلك بين عثمان وعبدالرحمن بن عوف أستجابة لدعوة الرجل الصالح علي بن ابي طالب , فقد هجر عبدالرحمن عثمانا ولم يكلمه حتى مات ولم يهنأ عبد الرحمن بن عوف رواي حديث الطاعون بمنصب الخلافة كما كان يأمل, وليس بعيدا أن عثمان أغتال عبد الرحمن بن عوف بالسم تمهيدا لبني أمية ومعاوية في الشام . يقول الامام علي في خطبته الشقشية في ذكر رجال الشورى الستة ( فصغى رجل منهم لضغنه , ومال الاخر لصهره مع هن وهن الى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه ......) اما الرجل الذي صغى لضغنه فهو سعد بن أبي وقاص الذي يبغض علياً لان أم سعد هي حمنة بنت ابي سفيان بن أمية وكان علي بن أبي طالب قد قتل العديد من أخوال سعد بن أبي وقاص, وأذن فسعد بن أبي وقاص لن يكون في جانب علي , وهذا ماعرفه عمر لهذا جلبه من الكوفة وجعله يقيم في المدينة في فترة الشورى ووعده بأن عثمان سيعطيه منصبا , فهذا واحد ضد علي ! والذي مال لصهره فهو عبد الرحمن بن عوف لانه صهر عثمان فزوجة عبد الرحمن هي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط هي أخت لعثمان من أمه وكان عليا قد ذبح أبوها في معركة بدر . كما أن عبد الرحمن كان متزوجا من أم كلثوم بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، وقد قتل الامام علي اخاها الوليد وعمها شيبة في معركة بدر, فتأمل . واذن عبد الرحمن وعثمان لن يكونا مع علي أيضا وهذا ما توقعه عمر, وأذن صار أثنين من الرجال الستة ضد علي , أما ثالث الستة فهو طلحة بن عبيد الله فهو من بني تيم وكان بين بني تيم وبني هاشم مواقف مرت بنا بسبب خلافة ابوبكر الذي هو من بني تيم أيضا, ولن يكون طلحة مع علي لسبب اخر هو أن علي بن أبي طالب كان قد قتل أثنين من اخوة طلحة في حروب المسلمين وهما عثمان ومالك اولاد عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة . إذن سيصغي طلحة لضغنه أيضا بغضا بعلي وهذا ثالث الستة, أما رابع الستة فهو عثمان نفسه ويريد الملك لنفسه ولن يكون مع علي . وبذلك ضمن عمر الاكثرية ضد علي بن أبي طالب وهو تماما ما خطط له أبو سفيان شيخ بني أمية الذين منهم عفان و سنرى ذلك بجلاء في فصل (الخليفة الثالث عثمان). أما قوله (هنٍ وهنٍ) فهي كناية عن أمور يكره ذكرها. وهكذا اتفق الجميع ماعدا الزبير بن العوام على عدم انتخاب علي واختار عبد الرحمن بن عوف عثمان بن عفان وتمت البيعة ؟
كانت غاية قصة الشورى هو إبعاد علي بن أبي طالب عن منصب الخلافة وتهيئة بني أمية لاتخاذ دورهم في قيادة الامة وعثمان بن عفان أموي كما معلوم. واذن ابتدع عمر نظاما جديدا ليس هو بانتخاب وليس هو بتعيين ولا يمت للدين بأية صلة , ومن العجيب أن يصف كتابنا المعاصرون هذا العمل الذي لم يأتي من القران أو من الحديث بالعمل العبقري . لقد خالف عمر السنة وخالف النبي لأن النبي كما يقول جمهور السنة لم يوص للخلافة لاحد من بعده فقد ترك النبي محمد(ص) الامة على حالها وقامت الامة بانتخاب أبوبكر على حد قولهم كما مر بنا في فصل السقيفة , فلماذا لم يترك عمر بن الخطاب الامة كما فعل النبي نفسه ويتأسى بعمل النبي ؟ واذا كان عمر يقتدي بأبي بكر فلماذا لم يوص بالخلافة لرجل واحد كما فعل أبوبكر عندما ادلى للخلافة من بعده لعمر؟ لنتذكر كتابة الوصية من فصل ابوبكر وكيف أن ابابكر غاب عن الوعي في سكرات الموت فكتب عثمان بن عفان اسم عمر بن الخطاب في الوصية ولما أفاق ابوبكر من غيبوبته قال له عثمان كتبت اسم عمر في الوصية فامضاه, الا يبين لنا ذلك الموقف وفاء عمر لعثمان فادلى للخلافة له من بعده بصورة الشورى .
كان عثمان يعلم أن خصمه الاكبر هو علي بن أبي طالب لذلك حاول التخلص منه منذ أيام عمر والرواية الاتية تظهر حقيقة ذلك , ففيها ينصح عثمان عمرا بأن لايخرج للحرب وليبعث بدلا منه علي بن أبي طالب لقتال الفرس والروم ! روي المسعودي: (فدخل عثمان عليه( عمر بن الخطاب)، فقال له: يا أبا عبد الله أشر علي أسير أم أقيم. فقال عثمان: أقم يا أمير المؤمنين وابعث بالجيوش، فإنه لا آمن إن أتى عليك آتٍ أن ترجع العرب عن الإسلام، ولكن ابعث الجيوش وداركها بعضها على بعض، وأبعث رجل له تجربة بالحرب وبَصَر بها، قال عمر: ومن هو. قال: علي بن أبي طالب، قال: فالقه وكلمه وذاكره ذلك، فهل تراه مسرعاً إليه أو لا، فخرج عثمان فلقي علياً فذاكره ذلك، فأبى علي ذلك وكرهه، فعاد عثمان إلى عمر.)( مروج الذهب للمسعودي , باب عمربن الخطاب). لم يفلح عثمان بهذه الطريقة الميكافيلية في التخلص من علي لكنه على اقل تقدير حاول ذلك.
كان لدور اليهود ايضا ثقل في عدم إرجاع الخلافة لصاحبها الشرعي أيام عمر , فقد كان عمر يستشير كعب الاحبار اليهودي في كثير من الامور وسيأتي تفصيل ذلك في فصل ( دور اليهود ) . ويُروى أن عمرا في أواخر أيامه كان يستشير كعبا اليهودي حتى في أمر الخلافة وكما يلي :
يروي ابن عباس ما شاهده يوما عند الخليفة عمر وكان كعب الاحبار حاضرا: (قال عمر لكعب الأحبار يوماً وأنا عنده: إنّي قد أحببت أن أعهد إلى من يقوم بهذا الأمر وأظن وفاتي قد دنت، فما تقول في عليّ؟ أشر عليّ في رأيك وأذكرني ما تجدونه عندكم، فإنّكم تزعمون أنّ أمرنا هذا مسطور في كتبكم، فقال (كعب الاحبار): أمّا من طريق الرأي فإنّه لا يصلح، إنّه رجل متين الدين، لا يغضي على عورة, ولا يحلم عن زلة, ولا يعمل باجتهاد رأيه, وليس هذا من سياسة الرعية في شيء، وأمّا ما نجده في كتبنا فنجده لا يلي الأمر ولا ولده، وإن وليه كان هرج شديد، قال: كيف ذاك؟ قال: لأنّه أراق الدماء، فحرمه الله الملك)( شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 12 ص 81). فتأمل تحليل اليهودي كعب في أمير المؤمنين علي فيالها من نصيحة من يهودي ككعب أسلم بعد وفاة النبي بعشر سنين ,يشاوره الخليفة عمر في أمر أول المؤمنين وأول رجل نطق بالشهادة .
وهكذا انحرفت الدولة بعد انحرافها الاولي الى انحراف أخطر في عهد عثمان الاموي ,وكان ابو سفيان بن حرب( أبو معاوية بن أبي سفيان) شيخ بني أمية من أول المهنئين لعثمان الاموي على تسنمه الخلافة, حيث دخل عليه وكان ابو سفيان قد فقد بصره انذاك فقال ابوسفيان : (هاهنا أحد؟( كي يطمئن أن لايسمعه احد من خارج بني قومه ) فقالوا: لا. فقال: اللهم اجعل الأمر أمر جاهلية، والملك ملك غاصبية، واجعل أوتاد الأرض لبني أمية. وكذلك قال: صارت إليك بعد تيم وعدي فأدرها كالكرة، واجعل أوتادها بني أمية، فإنما هو الملك، ولا أدري ما جنة ولا نار( تيم قوم ابوبكر وعدي هي عشيرة عمر بن الخطاب)( أحاديث أم المؤمنين للعلامة العسكري ج1 ص 139, و نقله عن الاغاني للأصفهاني ج6 ص323), ووردت الرواية في مصادر شتى بألفاظ مختلفة قليلاً منها كتاب الفائق للزمخشري الذي يقول في شرحه لكلمة (تزقف) ( ثم يتزقفها تزقف الرمانة, زقف التزقف والتلقف أخوان وهما الاستلاب والاختطاف بسرعة ومنه : إن أبا سفيان قال لبنى أمية : تزقفوها تزقف الكرة وروى : تلقفوها يعنى الخلافة) ( الفائق في غريب الحديث للزمخشري ص 135) . وذكر البلاذري : ( دخل عثمان على عثمان وهو مكفوف , ثم خرج من عنده وهو يقول : (تلقفوها يابني أمية تلقف الكرة فما الامر على مايقولون) ( أنساب الاشراف للبلاذري, باب نسب بني عبد شمس) .
عمر يهيأ معاوية بن أبي سفيان لترسيخ أسس مملكة بني أمية
أشتهر عمر بشدته وقسوته على الناس وعلى ولاته وشواهد التاريخ لاتحصى عرفها القاصي والداني .بعد موت أبي عبيدة ومعاذ صار معاوية بن أبي سفيان ابن عمر المدلل , فكان لاينهره ولايأمره ولاينهاه , وكانت معاملة الخليفة عمر لمعاوية تختلف أختلافا كبيرا عن معاملة باقي ولاته وللصحابة الاخرين كما فيما يلي:
(ذُكر معاوية عند عمر بن الخطّاب فقال دعوا فتي قريش وابن سيّدها ; إنّه لمن يضحك فى الغضب ، ولا ينال منه إلاّ علي الرضا ، ومن لا يؤخذ من فوق رأسه إلاّ من تحت قدميه) ( البداية والنهاية لابن كثير المدشقي ج8 ص 124) . إن عمر طلب مرارا من النبي (ص) أن يقتل أبوسفيان ولو غدراً ,لكنه الان يسميه سيد قريش ويسمي معاوية ابن سيد قريش, ونرجح أن سبب تصرف عمر مع معاوية باللين والتبجيل يعود الى عقدة عمر بن الخطاب الطبقية , فقد مر ذكر نسبه وأصله وضآلة عشيرته في قريش حينما كان أبوسفيان سيد مكة وغنيها, فلم يستطع عمر كسر تلك العقدة مع أبي سفيان أو مع ابنه معاوية من بعده. لقد وصل الامر بعمر أن يسمي معاوية كسرى العرب !
( قال عمر إذ دخل الشام ورأى معاوية : هذا كسرى العرب) ( الاستيعاب ج3 ترجمة معاوية, لابن عبد البر) وروى الطبري ( قال عمر بن الخطاب : تذكرون كسرى وقيصر ودهاءهما وعندكم معاوية) ( تاريخ الطبري ج3 ص224, أحداث سنة 60)!
لقد هيأ عمر بلاد الشام لمعاوية كأقليم مستقل عن دولة الخلافة فكان لايأمره ولاينهاه , روى الطبري :
( خرج عمر بن الخطّاب إلي الشام ، فرأى معاوية فى موكب يتلقّاه ، وراح إليه فى موكب ، فقال له عمر : يا معاوية ! تروح فى موكب وتغدو فى مثله ، وبلغنى أنّك تصبح فى منزلك وذوو الحاجات ببابك ! قال : يا أمير المؤمنين إنّ العدوّ بها قريب منّا ولهم عيون وجواسيس ، فأردت يا أمير المؤمنين أن يروا للإسلام عزّاً ، فقال له عمر : إنّ هذا لَكيد رجل لبيب أو خدعة رجل أريب) ( تاريخ الطبري ج3 ص224 أحداث سنة ستين) وفي رواية الذهبي يقول عمر لمعاوية (، فقال معاوية يا أمير المؤمنين مُرنى بما شئت أصِر إليه ، قال : ويحك ! ما ناظرتك فى أمر أعيب عليك فيه إلاّ تركتنى ما أدرى آمرك أم أنهاك!)( سير أعلام النبلاء للذهبي , ترجمة معاوية)
ويروي الذهبي كذلك: (لمّا قدم عمر الشام ، تلقّاه معاوية فى موكب عظيم وهيئة ، فلمّا دنا منه ، قال : أنت صاحب الموكب العظيم ؟ قال : نعم . قال : مع ما بلغنى عنك من طول وقوف ذوى الحاجات ببابك ؟ قال : نعم . قال : ولِمَ تفعل ذلك ؟ قال : نحن بأرض جواسيس العدوّ بها كثير ، فيجب أن نُظهر من عزَّ السلطان ما يُرهبهم ، فإن نهيتنى انتهيت ، قال : يا معاوية ! ما أسألك عن شىء إلاّ تركتنى فى مثل رواجِب الضَّرِس .لئن كان ما قلت حقّاً , إنّه لرأى أريب ، وإن كان باطلا فإنّه لخدعة أديب . قال : فمُرنى . قال : لا آمرك ولا أنهاك). ( سير أعلام النبلاء للذهبي, ترجمة معاوية).
تأمل قول عمر لمعاوية : لاآمرك ولا أنهاك! فكأن معاوية صار مستقلاً عن أوامر الخليفة. أستطاع معاوية بدهاءه ومكره من قهر تسلط عمر ونقول إن لعقدة النقص الطبقية دور في ذلك فكان عمر يرى أن معاوية أفضل منه لأنه ابن سيد قريش وكان معاوية حتما يشعر بذلك فاستغل تلك العقدة وفاز بتطويع عمر وتليينه.
وعن أسلم مولى عمر قال: (قدم علينا معاوية، وهو أبيض نص وباص، أبض الناس وأجملهم، فخرج إلى الحج مع عمر، فكان عمر ينظر إليه فيعجب منه، ثم يضع إصبعه على متن معاوية، ثم يرفعها عن مثل الشراك، فيقول: بخ بخ نحن إذا خير الناس، أن جمع لنا خير الدنيا والآخرة) (البداية والنهاية ج6 ص122 لابن كثير الدمشقي)
كان عمر معاوية عشرين عاما لما صار والي الشام في عهد عمر , فسمع عمر أن الناس يقولون : ولى حدث السن , فقال عمر : (تلومونني في ولايته وأنا سمعت رسول الله يقول فيه : اللهم أجعله هاديا مهديا وأهدي به)( النص عن نظريات الخليفتين للعلامة الطائي ونقله عن التاريخ الكبير للبخاري ج5 ص 240, طبقات ابن سعد ج7 ص 418) . هذه الرواية مروية عن عمر بن الخطاب نفسه ولاندري كيف يدعو النبي (ص) هكذا دعوة ويسمي معاوية بالهادي المهدي بينما التاريخ يحدثنا أن معاوية صار في عهده سفاح المسلمين كما سيأتي في فصل ( الملك معاوية) , لقد جعل المحرفون خاتم الانبياء كذابا بقولهم ذلك . لقد سعى عمر منذ البداية على تولية بني أمية بلاد الشام ففي عهد الخليفة الاول كان دأب عمر هو اقناع ابابكر بتولية بني أمية لبلاد الشام وتم له ذلك. الرواية الاتية تبين تخطيط عمر للقضاء على خصومه وتقريب بني أمية : (أن خالد بن سعيد لما قدم من اليمن بعد وفاة رسول الله (ص)تربص ببيعته لأبى بكر شهرين ولقى على بن ابى طالب وعثمان بن عفان وقال يا بنى عبد مناف لقد طبتم نفسا عن أمركم يليه غيركم, فأما أبو بكر فلم يحفل بها واما عمر فاضطغنها عليه, فلما بعث أبو بكر خالد بن سعيد أميرا على ربع من ارباع الشام وكان أول من استعمل عليها فجعل عمر يقول أتؤمره وقد قال ما قال فلم يزل بأبي بكر حتى عزله وولى يزيد بن أبى سفيان)( الاستيعاب لابن عبد البر , ج3 ص 975, باب سيرة أبوبكر)
لقد مهد عمربن الخطاب لبني أمية تميهدا , فقد أعطى ولاية الشام لمعاوية بن أبي سفيان وسن معاوية حينها أقل من عشرين سنة على قول بعض الروايات , وقبل ذلك كان أخو معاوية على الشام وهو يزيد بن أبي سفيان ,وولى عمر كذلك الوليد بن عقبة بن أبي معيط صدقات بني تغلب وقربه, وولى عبد الله بن أبي سرح وهو أخو عثمان من الرضاعة صعيد مصر , وجعل المغيرة بن شعبة الصديق الحميم لمعاوية أميرا على الكوفة . وولى عمرو بن العاص الصديق القريب لمعاوية ولاية فلسطين والاردن بعد أن عزل القائد شرحبيل بن حسنة فاتح فلسطين والاردن بلا سبب. وكان والي الطائف في عهد عمر هو عنبسة بن ابي سفيان الاخ الاخر لمعاوية.
تقدم في فصل السقيفة أن اباسفيان كان من المعارضين لخلافة ابوبكر و جاء الى علي بن أبي طالب معترضا على خلافة ابوبكر , وعندها استرضى ابوبكر اباسفيان بالمناصب لاسكاته ,وعلى ذلك النهج مشى عمر بن الخطاب.
الرواية الاتية ترينا ترضية عمر بن الخطاب لابي سفيان وكأن ابوسفيان هو صاحب الامر وليس عمر, وفيها يُعزي عمر أباسفيان بوفاة أبنه يزيد حاكم الشام : ( دخل أبوسفيان على عمر بن الخطاب فعزاه عمر بابنه يزيد، فقال: آجرك الله في ابنك يا أبا سفيان. فقال: أي بني يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: يزيد. قال أبو سفيان: فمن بعثت على عمله؟ قال عمر: معاوية أخاه، وقال عمر: ابنان مصلحان، وإنه لا يحل لنا أن ننزع مصلحا )( نظريات الخليفتين للعلامة الطائي و عن كنز العمال ج13 ص 607, مختصر تاريخ دمشق لابن منظور ج7 ص 329 ). وهكذا استحكم بني أمية تدريجيا في بناء الدولة في عهد ابوبكر وعمر فلما جاء عهد عثمان صارت لهم.
هذه المودة والتحابب بين أبي سفيان وعمر تذكرنا بمقولة عمر المشهورة( دعني يارسول الله اضرب عنقه ) فقد قالها عمر في عهد النبي محمد(ص) قبل فتح مكة, وكان وقتها يريد ضرب عنق أبي سفيان حيث يقول عمر :( أبو سفيان عدوا الله، وقد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد، فدعني يا رسول الله أضرب عنقه)(عن الغدير للعلامة الاميني ونقله عن مختصر تاريخ دمشق لابن منظور ج11 ص 43) وهي من بطولات عمر التي تظهر صرعاته الفارغة, فسبحان الذي جمعهما في عهده على التوادد والتحابب وتقاسم المناصب.
إن القائلين بفساد معاوية وعلانية تحريفه للدين عليهم أن يتذكروا أن من مهد له وهيأ له سبل الملك والسلطان هو الخليفة الثاني عمر , فليراجعوا ما دونه المؤرخون .
دور الخليفة الاول أبوبكر والثاني عمر في تهيئة حكم بني أمية
كان أختطاف السلطة من الامام علي تحريفاً كبيراً في أهم عمود من أعمدة الدولة ألا وهو نظام الحكم. ولم يغفل أبوسفيان بن حرب العدو الاول للنبي محمد (ص) عن ذلك , فأقتنص فرصته ليهدد الخليفة الاول أبابكر بقوله أنه سيملأها عليهم خيلاً ورجلاً (راجع فصل السقيفة), لقد استطاع أبوسفيان أن يماطل أبابكر فأغدق الخليفة أبوبكر العطايا على أبي سفيان, ولأرضاءه واسكاته عين ابنه عنبسة واليا على الطائف , ثم يهب الخليفة الاول بلاد الشام ليزيد بن أبي سفيان ويجعله حاكما عليها, وعند وفاة يزيد بن أبي سفيان يعين الخليفة عمر أخا يزيد بن أبي سفيان حاكما على الشام وهو معاوية بن أبي سفيان الاموي الذي صار ملكاً غير متوج على بلاد الشام ينتظر الايام ليعلن دولة بني أمية هناك, وتم له ذلك.
كان لأبي بكر ولعمر بالذات الفضل الاول لتقديم بني أمية على غيرهم , وقيام دولة بني أمية لم يكن تخطيط أيام وأشهر بل كان تخطيطا بعيداً تعود بداياته الى أواخر أيام حكم الخليفة الاول, ونذكر كيف أن عثمان هو الذي كتب أسم عمر في وصية أبي بكر فرد عمر ذلك الجميل بأعطاء الخلافة لعثمان بن عفان الاموي وصنع عملية الشورى المزيفة . في رسالة رد طويلة للملك الاموي معاوية يذكر فيها فضل أبي بكر وعمر على تمهيد حكم بني أمية ,وكانت تلك الرسالة جواباً على رسالة من محمد بن أبي بكر ابن الخليفة الاول, وفي الرسالة يتبين دور الخليفة الاول والثاني في التمهيد لدولة أمية.
كتب معاوية:
( كان أبوك ( الخليفة الاول ابوبكر) وفاروقه ( يعني به عمر ) أول من أبتزه حقه ( الضمير يعود على علي بن أبي طالب), وخالفه على أمره, على ذلك اتفقا واتسقا. ثم أنهما دعواه لبيعتهما فأبطأ عنهما , وتلكأ عليهما , وأرادا به العظيم ( يعني بالعظيم هنا التهديد بالقتل ومر بنا شيئا من هذا في فصل السقيفة). ثم أنه بايع لهما وسلم لهما , وأقاما لايشركانه في أمرهما ولايطلعانه على سرهما حتى قبضهما الله اليه.) ثم يكمل الملك معاوية في رسالته معاتباً على محمد بن أبي بكر فيقول
(أبوك مهد مهاده وبنى لملكه وساده ( يعني أن مافعل أبوك هو الذي مهد لنا قيام هذه الدولة فلاتعتب علينا بأنفرادنا بالسلطة وأعلاننا الملكية الوراثية)، فإن يكن ما نحن فيه صوابا، فأبوك استبد به ونحن شركاؤه، ولولا ما فعل أبوك (يعني بأبوك الخليفة الاول ابوبكر) من قبل، ما خالفنا ابن أبي طالب، ولسلمنا إليه، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا، فأخذنا بمثله، فعب أباك بما بدا لك أو دع ذلك، والسلام على من أناب)( مروج الذهب للمسعودي ج3 ص 11 , باب رسائل معاوية). معاوية الاموي هنا يُذَّكر محمد بن الخليفة الاول بما فعل أبوه ويقول له أن أبيك هو الذي أول من أبتدع فانتحل الخلافة واغتصب الامارة من وصي النبي علي بن أبي طالب , فلاتعيب علينا حربنا لعلي فأننا على سنة أبيك في حرب آل محمد. وقد ينبري من يقول أن هذه الرواية موضوعة لايؤخذ بها, لكن وقائع التاريخ التي مرت تظهر مصداقية الرواية فهي تلخص كل الوقائع التي حدثت في عهد الخليفة الاول والثاني وتبين أنهما حقا من مهد مهاد دولة بني أمية .
ليس من العجيب أن عمر بن الخطاب كان يعلم تماما من هم بني أمية ويعلم مواقفهم من النبي محمد , فقد اسلم ابو سفيان ومعاوية بعد فتح مكة وكان يسمون بالطلقاء الذين اطلقهم النبي ,. وفرَّق الان الكريم بين المسلمين في الدرجات ( لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل اولئك أعظم درجة من الذين انفقوا من بعد الفتح وقاتلوا)( الحديد10),لكن عمر فضل طلقاء بني أمية على باقي المسلمين مع كامل علمه بمواقفهم, لقد كان أبو سفيان وغيره من الطلقاء من أول المستفيدين أجتماعياً من تشريع عمر القاضي بتعطيل آية المؤلفة قلوبهم كما مر بنا. لنقرأ التاريخ : (عن المغيرة بن شعبة أنه قال: قال لي عمر بن الخطاب يوما : يا مغيرة هل أبصرت بعينك العوراء منذ اصيبت؟ قلت لا. قال: أما والله ليعورون بنو امية الاسلام كما أعورت عينك هذه.ثم ليعمينه حتى لا يدري أين يذهب ولا أين يجيء)( شرح النهج لابن أبي الحديد , وعن الموفقيات لابن بكار). مهما قيل عن سند الرواية هذه لكنها ترينا موقف عمر كما بينته الاحداث فهو يعرف بفساد بني أمية , وتصرفه وسلوكه وابتداعاته الغريبة عن الدين ترينا أنه غير آبه بما سيكون حال الاسلام وحال الامة من بعده ,واذن ليُخرب بنو أمية هذا الدين ! روي أن ابن عباس سأل الخليفة عمر عن رأيه بعثمان بن عفان فقال عمر: (أوه ثلاث مرات، والله لئن كان الأمر إليه ليحملن بني أبي معيْط على رقاب الناس، ووالله لئن فعل لَيَنْهَضُنّ إليه فلَيَقْتُلُنَه، واللّه لئن فعل ليفْعَلَن، والله لئن فعَلَ ليفْعَلن)( تاريخ المدينة لابن شبة ص 311). تأمل توقعات عمر وفراسته فهو يدري أن عثمان بن عفان عند توليه الخلافة سيحمل قومه (بني أبي معيط) على رقاب الناس. إذن لماذا ترك عمر الأمر لعثمان ؟ تخطيط بعيد ناله بنو أمية بعد ترقب وانتظار.
اغتيال أم أنقلاب؟
مات عمر في غبشة الفجر أثر طعنات عديدة في خاصرته بخنجر مسموم ,وقاتله هو أبولؤلؤة الفارسي من عبيد المغيرة بن شعبة , ترى ما هي الاسباب والدوافع؟
ظلت قضية اغتيال عمر ملفوفة بالغموض , واختلف المؤرخون في تحليلهم لاغتياله. إن المستفيد من موت عمر هو أكثر من طرف واحد, الاول هو الامويون فقد عجل موت عمر بتولي بني أمية المباشر للسلطة حيث صار عثمان الأموي الخليفة من بعد عمر ,وكان عمر قد نوه بالخلافة لعثمان في أكثر من موضع كما تقدم, فليس بعيداً أن أغتياله كان تعجيلاً من بني أمية لاغتصاب السلطة لأن المرشح عثمان بن عفان كان في السبعين من عمره آنذاك وبقاء عمر في السلطة لسنين اطول يعني اقتراب أجل الشيخ عثمان بن عفان وموته قبل نيله الخلافة, فكان اغتيال عمر هو التعجيل بحصول عثمان على الخلافة. المستفيد الاخر هو كعب الاحبار الذي نجح بدهاءه في أيام عمر بتهجير اليهود الى فلسطين وبيت المقدس واستفاد من تولي بني أمية زمام الامور وكان موت عمر لكعب هو تعجيل لدولة بني أمية التي ستغير مفاهيم الاسلام, وهي غاية غايات اليهود وكعب الاحبار منهم ,ستأتي سيرة كعب في فصل (دور اليهود). هناك رأي آخر يعزي اغتيال عمر الى الفتوحات الاسلامية في بلاد فارس فاغتياله كان انتقاماً لما حصل في بلاد فارس من فتوحات ودليلهم هو أن قاتله أبولؤلؤة كان فارسياً, وهو رأي يتشبث به القوميون العرب بتغاضيهم عن بقية الحوافز لقتله مما يجعل تحليلهم لهذا الامر ضيقاً وضعيفاً , فقد فتح المسلمون في عهد عمر بلاد الشام الرومية ومصر في شمال أفريقيا فلماذا لم يقوم الرومان بأغتيال عمر؟ وهناك من يقول أن أغتياله كان أنتقاماً لما فعل بفاطمة عليها السلام ابنة النبي محمد (ص) يوم حمل النار وحرق باب دارها وأدى ذلك الهجوم الى وفاتها بعد ذلك بأيام قصيرة كما تقدم في فصل السقيفة وماجرى بعدها.
المتفق عليه هو استفاد اطراف عديدة من أغتيال عمر حتى وان لم يكن لها دخل في اغتياله. فقد تكون جميع الاسباب التي تقدمت ساهمت ضمنيا بالتعجيل في اغتياله . إن الرابح الأول بموت الخليفة هم بنو أمية ومن المرجح أن تكون مؤامرة قتل عمر مسندة من بني أمية الذين منهم معاوية بن أبي سفيان المعروف بخطط الاغتيالات الصامتة . أبو لؤلؤة قاتل عمر كان أجيراً عند المغيرة بن شعبة, والمغيرة من أقرب الناس الى معاوية بن أبي سفيان, مشهور بغدره وحيله , فقد أسلم المغيرة بعد غدره بثلاثة عشر رجلاً كانوا معه في سفر فنهب أموالهم وهرب الى النبي (ص) في المدينة ليدخل الدين الجديد, فكان اسلامه عن مصلحة لحمايته مما جنا من غدر رفاقه في السفر ,وبعد اسلامه لم يتورع عن ارتكاب المحارم ,فقد أشتهر بزناه وكان الخليفة عمر من عطل عقوبته وأنقذه من موت رجماً بالحجارة ,وحينها كان المغيرة واليا على الكوفة في العراق ( ترجمة المغيرة بن شعبة كما في طبقات ابن سعد واستيعاب بن عبد البر وإصابة العسقلاني). للمغيرة دور في تحريض أجيره (أبو لؤلؤة) الفارسي في قتل عمر وكما يلي ,روى المسعودي: (وكان عمر لا يترك أحداً من العجم يدخلِ المدينة فكتب إليه المغيرة بن شعبة: إن عندي غلاماً نقاشاً نجاراَ حداداَ فيه منافع لأهل المدينة، فإن رأيت أن تأذن لي في الإِرسال به فعلت، فأذن له، وقد كان المغيرة جعل عليه كل يوم درهمين، وكان يدعى أبا لؤلؤة، وكان مجوسياً من أهل نهاوند، فلبث ما شاء الله، ثم أتى عمر يشكو إليه ثقل خراجه، فقال له عمر: وما تحسن من الأعمال. قال: نقاش نجار حداد، فقال له عمر: ما خَرَاجُكَ بكثير في كنه ما تحسن من الأعمال، فمضى عنه وهو يتذمر، قال: ثم مر بعمر يوماً آخر وهو قاعد، فقال له عمر: ألم احَدَّث عنك أنك تقول: لو شئت أن أصنع رَحا تطحن بالريح لفعلت، فقال أبو لؤلؤة: لأصْنَعَنَّ لك رَحَا يتحدث الناس بها، ومضى أبو لؤلؤة، فقال عمر: أما العلج فقد توعَّدَنِي انفاً، فلما أزمَعَ بالذي أوعد به أخذ خِنْجراً فاشتمل عليه ثم قعد لعمر في زاوية من زوايا المسجد في الغَلَس، وكان عمر يخرج في السحر فيوقظ الناس للصلاة، فمر به، فثار إليه فطعنه ثلاث طعنات إحداهن تحت سرته وهي التي قتلته، وطعن اثني عشر رجلاً من أهل المسجد فمات منهم ستة وبقي ستة)( مروج الذهب ج2 باب عمر, تاريخ المدينة لابن شبة , باب عمر). ترى لو كان أبولؤلؤة مجوسيا كما زعموا فكيف عاش في المدينة وبالذات في عهد عمر الذي أخرج اليهود وغير المسلمين من الجزيرة؟
المغيرة هو الذي أتى بأبي لؤلؤة الى المدينة , ثم بخسه حقه في الاجر حتى يغيظه على عمر كما في الرواية وهذا يرجح دور المغيرة صاحب معاوية في عملية الاغتيال. كان أبولؤلؤة من أسرى بلاد فارس ويقال أنه كان حاكما على ولاية في بلاد فارس فصار عبداً يعمل بأجر في دولة العرب! لقد زاد المغيرة من غضب أبا لؤلؤة حتى يثيره في قتل عمر. إن بنو أمية كانوا الكاسب الاول بمقتل عمر , فبموته تولى الخلافة عثمان الاموي وبذلك كسب معاوية حاكم الشام حليفا من عشيرته.
أما كعب الاحبار فهو يهودي من أهل اليمن أسلم في عهد عمر , وهو من أنصار معاوية وعثمان حتى أنه هاجر بعد مقتل عثمان الى بلاد الشام وعاش في كنف معاوية. الرواية الاتية ترجح ضلوع كعب في مقتل عمر و توقعه لساعة موتته , وكأنه عالم بمؤامرة تحاك لقتل الخليفة ,وقد يكون كعب من حابكيها:
( أن كعب الاحبار جاء إلى عمر بن الخطاب قبل مقتله بثلاثة أيام, وقال له: اعهد فإنك ميت في ثلاثةأيام. قال: وما يدريك؟ قال: أجده في كتاب الله عز وجل في التوراة.( تأمل قول كعب بأن التوراة كتاب الله عزوجل ويقول ذلك أمام عمر الذي لاينهيه عن ذلك ).قال عمر: إنك لتجد عمر بن الخطاب في التوراة؟! قال: اللهم لا, ولكن أجد صفتك وحليتك وأنه قد فنى أجلك. فلما كان من الغد, جاءه كعب, فقال: يا أمير المؤمنين! ذهب يوم وبقي يومان! ثم جاءه من غد الغد, فقال: ذهب يومان وبقي يوم وليلة؛ وهي لك إلى صبيحتها! فلما كان الصبح خرج عمر إلى الصلاة؛ وكان يوكل بالصفوف رجالا؛ فلما استوت جاء فكبر. ودخل أبو لؤلؤة في الناس, في يده خنجر له رأسان نصابه في وسطه, فضرب عمر ست ضربات, إحداهن تحت سرته, وهي التي قتلته. وقال عمر قبيل وفاته: توعدني كعب ثلاثا أعدها ولا شك أن القول ما قال لي كعب . فلما طُعن دخل عليه كعبٌ فقال: ألم أنهك? قال: بلى، ولكن كان أمر الله قدراً مقدوراً.)( تاريخ المدينة ص 314 لابن شبة , ومثلها في تاريخ الطبري ) , ويروى أن فاطمة بنت النبي (ص) كانت قد دعت على عمر وأبي بكر عندما منع الخليفة الاول أبوبكر ميراثها من النبي (ص) في ارض فدك ,ثم يندم أبوبكر على فعله ويكتب لها صحيفة يقر لها فيها بإنها صاحبة فدك, فلما خرجت بالصحيفة مد عمر يده فأخذها وتفل عليها فمحا الكتابة ثم مزق الصيحفة فقالت فاطمة : بقر الله بطنك كما بقرت صحيفتي! (محنة فاطمة ص106 للشيخ الناصر, شرح ابن أبي الحديد ج16 ص 234, أعلام النساء ج4 ص124 لعمر كحالة), ولذا قيل أن دعاء الزهراء فاطمة أبنة النبي (ص) تحقق في ذلك اليوم الذي بقر فيه أبو لؤلؤة بطن عمر بخنجره!
يروي ابن شبة أن الطبيب دخل على عمر بعد طعنه وسأله أي الشراب أحب اليه فقال عمر : النبيذ ! :( دعي لعمر الطبيب فسقاه نبيذاً فخرج من جُروحه مختلطاً بدم ,فدعي بلبن فسقاه فخرج أبيض، فقال له الطبيب: أعهد يا أمير المؤمنين.)( تاريخ المدينة لابن شبة , باب عمر ص320).
ندمه
روى صاحب كنز العمال عن الضحاك قول عمر : ( يا ليتني كنتُ كبش أهلي و سمنوني ما بدا لهم , حتى إذا كنت أسمن ما أكون زارهم بعض من يحبون , فجعلوا بعضي شواءً وبعضي قديداً , ثم أكلوني ، فأخرجوني عذرة , ولم أكن بشراً)( الغدير للعلامة الاميني , باب نوادر الاثر , و عن كنز العمال ج 6 ص 345 , تاريخ الخلفاء للسيوطي ,باب عمر , حلية الاولياء ج1 ص 52) . العذرة هي براز الحيوان, فالخليفة هنا يتمنى نفسه كذلك خوفا مما سيأتي بعد الموت من حساب.
وفي رواية أخرى يقول عمر قبيل وفاته: (وَيْلٌ لي، ويلي لأُمي إن لم يغفر لي، لو أن لي ما على الأرض لافتديت به من عذاب الله قبل أن أراه.)( تاريخ المدينة لابن شبة, باب عمر). أن الندم الذي يوصل بالمرء أن يتمنى نفسه عذرة لهو ندم عظيم على ذنوب عظيمة , فكأن عمر في ساعاته الاخيرة تيقن بخروجه عن رحمة الاية : ( يا أيتها النفس المطمئنة أرجعي الى ربك راضية مرضية فأدخلي في عبادي وادخلي جنتي)( الفجر26), فلو كان مطمئنا لما نادى بالويل لنفسه . بعد هلاك عمر يُدلي رئيس مجلس الشورى ورواي حديث الطاعون عبد الرحمن بن عوف بالخلافة لعثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية.
http://grandkhadija.blogspot.com/2017/03/6.html