رواية في بحار الانوار
في هذا الصباح الصباح الذي مضى فيه النبي محمد صلى الله عليه وآله إلى ربهِ شهيدا
(قال الامام علي عليه السلام دعا النبي محمد صلى الله عليه وآله علياً وفاطمه والحسن والحُسين عليهم السلام وأغلق عليه وعليهم الباب وأمر النساء بالخروج من الدار وأوقف أم سلمه على الباب لئلا يقربه أحد. ثم أخذ يناجيهم مطولا وهم يبكون على ما جرى لرسول الله في مرضه الذي سببته جرعة السم التي سقتها عائشه لهُ في إغماءته فلما طال ذلك خرج علي ومعه الحسن والحسين وأقاموا بالباب والناس خلف الباب، ونساء النبي (صلى الله عليه وآله) ينظرن إلى علي (عليه السلام) ومعه ابناه، فقالت عائشة: لأمر ما أخرجك منه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخلا بابنته دونك في هذه الساعة، فقال لها علي (عليه السلام): قد عرفت الذي خلابها وأرادها له، وهو بعض ما كنت فيه
وأبوك وصاحباه مما قد سماه: فوجمت أن ترد عليه كلمة، قال علي (عليه السلام): فما لبث أن نادتني فاطمة (عليها السلام) فدخلت على النبي (صلى الله عليه وآله) وهو يجود بنفسه، فبكيت ولم أملك نفسي حين رأيته بتلك الحال يجود بنفسه، فقال لي: ما يبكيك يا علي؟ ليس هذا أوان البكاء، فقد حان الفراق بيني وبينك، فأستودعك الله يا أخي، فقد اختار
لي ربي ما عنده، وإنما بكائي وغمي وحزني عليك وعلى هذه أن تضيع بعدي وهوه يشير إلى فاطمه عليه السلام ، فقد أجمع القوم على ظلمكم، وقد استودعتكم الله، وقبلكم مني وديعة. يا علي! إني قد أوصيت فاطمة ابنتي بأشياء وأمرتها أن تلقيها إليك، فأنفذها فهي الصادقة الصدوقة.. " ثم ضمها إليه ولما أراد أن يكلمها غلبته عبرته فلم يقدر على الكلام، فبكت فاطمة بكاء شديدا وقالت: يا رسول الله! قد قطعت قلبي وأحرقت كبدي لبكائك يا سيد النبيين من الأولين والآخرين، ويا أمين ربه ورسوله، ويا حبيبه ونبيه. من لولدي بعدك؟ ومن لأهل بيتك بعدك؟ من لعلي أخيك وناصر الدين؟ من لوحي الله؟ ثم بكت وأكبت على وجهه تقبّله، فقبل (صلى الله عليه وآله) رأسها وقال: " فداك أبوك يا فاطمة..! " فعلا صوتها بالبكاء، ثم ضمها إليه وقال: " أما والله لينتقمن الله ربي، وليغضبن لغضبك، فالويل ثم الويل ثم الويل للظالمين.. ".
ثم بكى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وترقرقت عبرته. يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): " فوالله لقد حسبت بضعة مني قد ذهبت لبكائه! وهملت عيناه مثل المطر حتى بلت دموعه لحيته وملاءةً كانت عليه، وهو يلتزم فاطمة لا يفارقها. ورأسه على صدري وأنا مسنده، والحسن والحسين يقبّلان قدميه ويبكيان بأعلى أصواتهما.. "
وبينما هم على تلك الحال وإذا بجبرئيل وميكائيل وسائر الملائكة المقربين ينزلون أفواجا من السماء إلى الأرض ويجتمعون في بيت خاتم النبوة وهم يضجون بالبكاء لرؤياهم بكاء رسول الله وابنته الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليهما السلام. يقول أمير المؤمنين عليه السلام:لقد رأيت بكاء من فاطمة، أحسب ان السماوات والأرضين قد بكت لها " .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للزهراء عليها السلام: يا بنية! الله خليفتي عليكم وهو خير خليفة، والذي بعثني بالحق لقد بكى لبكائك عرش الله وما حوله من الملائكة والسماوات والأرضون وما فيهما. يا فاطمة! والذي بعثني بالحق لاقومن بخصومة أعدائك، وليندمن قوم أخذوا حقك، وقطعوا مودتك، وكذبوا علي."
ثم دعا رسول الله قائلا: "! ويل لمن ظلمها..! ويل لمن ابتزها حقها..! ويل لمن هتك حرمتها..! ويل لمن شاقها وبارزها.. ويل لمن أحرق بابها..! ويل لمن آذى حليلها.. ! اللهم اني منهم برئ وهم مني براء ". ثم ضم (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة إليه وعليا والحسن والحسين وقال: اللهم إني لهم ولمن شايعهم سلم، وزعيم بأنهم يدخلون الجنة، وحرب وعدو لمن عاداهم وظلمهم وتقدّمهم أو تأخر عنهم وعن شيعتهم، زعيم بأنهم يدخلون النار. ثم والله يا فاطمة، لا أرضى حتى ترضي، ثم لا أرضى حتى ترضي.
ثم توجه بوجهه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أخيه أمير المؤمنين عليه السلام فقال: اعلم - يا علي! - اني راض عمن رضيت عنه ابنتي فاطمة، وكذلك ربي وملائكته".
وقرّب أذنه من فمه وأخذ يلقي عليه علوم النبوة وأسرار الولاية وعلّمه ألف باب من العلم يفتح له من كل باب ألف باب. وبينما كان كذلك عرق جبينه.. وانتفض بدنه.. فأغمض عينيه.. وأسبل يديه.. ثم فاضت روحه الطاهرة.. فسالت بين يدي أمير المؤمنين (عليه السلام) فأخذها وأمررها على وجهه إلى أن صعدت لبارئها وبارئ الخلائق أجمعين. وارتفعت أصوات الخلائق بالبكاء واهتزت السماوات والأرضون لفقد خاتم الأنبياء، وصرخ الحسنان: وا جداه.. وا رسول الله.. ونادت الزهراء: وا أبتاه.. وا محمداه... وا حبيباه... ثم سقطت مغشيا عليه.